الاثنين، 2 يونيو 2014

إشكالية الفلسفة العقلية والتمسك بالمفاهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

حقيقةً من لا يتقبل النقد هو الأحق بالنقد
فمن ينسب لنفسه سلامة المنهج بالمطلق
دون أن يراعي مشاكل أسسه، عليه باختصار أن يتحمل
مقص النقد.




حقيقةً وعلى عهدي، فأنا أحب الصدق وأحب تبيان رأيي بمنتهى الموضوعية. إن الفلسفة وعلم المنطق بنظري من الأدوات المهمة جداً في فهم العالم من حولنا وفي تطوير العلم وبناء منظومة فكرية على أسس متينة. 

ولكن البعض، وعلى عكس عادة العلماء، يرى في منهجه "الإطلاق" فهو يعتبر أن من يخالفه قد يكون مجنوناً منعدم عقل. وبصراحة فهذا الكلام ليس فقط يدخل في خانة التجريح والطعن، بل في خانة الاستكبار والاستعلاء. فمن هو أصلاً لينسب لنفسه امتلاكه الحق المطلق دوناً عن الآخرين. 

طبعاً الكلام أعلاه يقوله المتكلمون والفلاسفة الدوغماطيقيون في حق من يقول بأن قوانين السببية وعدم التناقض مثلاً لا نستطيع اعتبارها مطلقة وصالحة لكل زمان ومكان، وطبعاً بنظر تلك الفئة المفكرة، أن مجرد التشكيك بهذه القوانين واخراجها من إطار البديهية والضرورة لهي سفسطة بعينها.




وحتى أبين لكم موقفي أطلب منكم قراءة التالي:
أنا مؤمن بأن قوانين المنطق مهمة جداً وصادقة ومفيدة، ولـكـن، بـحـدود، بمعنى أن العقل السليم، يعلم أن له حدوداً يقف عندها فلا يتجاوزها، فلا أجزم لمنطقي الإطلاق، وأنا بهذا الأمر أحترم حدود منطقي وأفهم مشاكله. وطبعاً وفق هذا المنظور لن يعود المنطق "ضرورياً بذاته" كما يحاول أن يصورها أصحاب الفلسفة العقلية، بل يتحول لأداة تطوّرت وتشكلت وفق الظروف المحيطة بالاضافة للقدرة الذاتية للإنسان على التعلّم. 

إني، ووفق اطلاعي العلمي البسيط، لا أجزم بأن المنطق ضروري بذاته، فتلك القوانين البديهية مثل عمليات الجمع 1+1=2 و 2+2=4، وقوانين المنطق الأساسية مثل قانون الهوية والسببية وعدم التناقض، لا تملك الضرورة الذاتية بمعنى أنها مطلقة وصالحة لكل زمان ومكان، وبنفس الوقت ليست هي مبتدعة من فعل العقل، بل هي من صفات وجودنا نحن فاستطعنا أن نطلع عليها. 



وهب لو كنت مخلوقاً تعيش في كون ذي بعدين زمانيين، وليس بعداً واحداً كما الحال في كوننا هذا، أظن أن الأوضاع ستتغير والمفاهيم ستتغير. أعلم أن هذا الأمر قد يبدو مشكلاً، أقصد تغير قوانين العقل، ولكن يجب أن نترك الاحتمال مفتوحاً. طبعاً الإنسان يصدر أحكامه وفق المعطيات الأولية التي يملكها، وهذا سيطرح مشكلة: كيف يختار الإنسان معطياته. جوابي: لا يمكنه، فاختيار المعطيات غير ممكن، إنما المعطيات مفروضة عليه. ولهذا فعلى الإنسان بذكاءه وعقله أن لا يستقر على النتائج المبنية على معطياته السابقة، بل عليه أن يعيد النظر ويجمع أدلة ومعطيات أكثر حتى يصل لفهم أعلى وأرقى. 




سيسألني أحدهم: كيف اخترت الإيمان والدين، وهل استقر عقلك عليه؟ أجيب كالآتي: حسب نظرية التوازن التي تعرّف نقطة الاتزان على أنها:
 هي النقطة التي إن وقفت عليها فإنك تستطيع الاحاطة بالتناقضات وفهمها، بل وتطوير نفسك لاستيعاب مزيداً من التناقضات أكثر فأكثر، ومع هذا فلا تتزحزح عن أساسك الذي تراه نقطة مرجعية لرؤية أمور كثيرة، وبنفس الوقت لا يوجد امتناع من نمو الأساس وتغييره بما يتلائم والأساس القديم من جهة والمعطيات الحديثة من جهة أخرى، فلا تكون العملية هدماً ولا تخلصاً، بل نمو وتطوير. هذا ما أراه في الاتزان. 

فالإيمان يكون التوازن به مكتملاً عموماً، ويعطيك نظرة كلية للعالم تجعلك أكثر تقبلاً لكثير من المشاكل، وأعلم أن البعض سيشن حملةً يقولون فيها أن الكافر اذن متزن في كفره مثلاً، فأقول: نظرية الاتزان تفرض عليك بحث وتطوير نفسك لا أن تتوقف عند الذي تملكه وتجزم بيقينه المطلق.

إذن، أين يأخذ هذا قوانين المنطق والعقل؟ سيأخذها إلى خانة الأدوات بدلاً من خانة القوانين الحاكمة، والأداة قابلة للتطوير، بينما القانون الحاكم سمته الجمود وهذا ما أرفضه. 





قد يثير أحدهم مشكلة بأن العقل مناط التكليف وأن هكذا كلام لا يصح، فأجيبه: لو كان العقل كافياً، وكانت القضايا واضحة وضوح الشمس، لما احتجنا لنبوات ورسالات لتبيين تلك الأمور التي يُقال عنها "بديهية وضرورية"، فدور الأنبياء هو دور إصلاحي ليس للعقل فقط، بل لإماطة ما يغلف القلب من أمور تحجب عنه الوصول إلى المعرفة الحقة. 

حقيقةً أنا لا أرى العقل يكفي وحده كوسيلة، ولا القلب وحده كوسيلة، بل الدمج بينهما في أسلوب يُعرف، حسبما فهمت، بالعرفان. فالعرفان يدمج تلك المعارف القلبية والعقلية في بوتقة واحدة ويصل بها إلى درجة يقينية أعلى بشكل واضح وجلي، وهذا ما أسعى له. 

وقد لا يكون العرفان هو الجواب الوحيد، فالعرفان ليس سوى أداة أخرى، ولربما هذه الصورة التي تقارن بين الفلسفة الشرقية والفلسفة الغربية، ستوضح ما أقصده وما 
أبغيه، لأن التوازن لا يفاضل بين المناهج، بل يجمع بينها بطريقة تصل بك للتوازن.



فالإنسان فرد في هذا الكون، وبالاضافة إلى تجمع المعرفة، فهو يحتاج لتغذية روحه وزيادة ذكاءه. وبالرغم من كونه منفصل عن الآخرين ولكنه يتفاعل معهم بحدود وتجمعه بهم أمور مشتركة، والتعامل مع الواقع لن يكون بالسيطرة عليه بالمطلق، ولكن بتقبل المحدودية مما يؤدي للراحة والاتزان. 

هذه القضايا تتطلب اطلاع معمق على مسائل التربية وعلم النفس عموماً، مع وجود إيمان وروحانية لدى الشخص، ولهذا فهي سهل ممتنع. وعذراً على الإطالة.