الأربعاء، 25 يونيو 2014

التناقضات في فلسفة كامو العبثية

بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم أقدم لكم مقالاً مترجماً من مرجع فلسفي معروف
حيث تحدث فيه عن 
ألبير كامو
الوجودي الفرنسي المولود في الجزائر

اللافت أن المقال يمتاز بموضوعية علمية عالية فأحببت أن أنقل لكم منه الجزئية التي تختص بالتناقضات في فلسفة كامو

قراءة شيّقة






هناك عناصر متناقضة متنوعة في مقاربة كامو للفلسفة. في مقالته ذات طول كتاب، اسطورة سيزيف، قدم كامو فلسفة تعارض الفلسفة نفسها. فهذه المقالة تنتمي إلى التقليد الفلسفي الوجودي مباشرةً ولكن كامو أنكر كونه وجودياً. كلاً من اسطورة سيزيف، وعمله الفلسفي الآخر، المتمرد، عبارة عن شك ممنهج للخلاصة الخاصة بمعنى الحياة، ولكنهما مع ذلك يؤكدان إجابات موضوعية عن أسئلة كيف نحيا الأساسية. وبالرغم من أن كامو بدا متواضعاً عندما وصف طموحه الفكري، ولكنه كان واثقاً كفاية كفيلسوف ليعبر ليس فقط عن فلسفته الخاصة، ولكن أيضاً كنقد للدين، ونقدٍ أساسي للحداثة (أحد يتوقع لما بعد الحداثة). بينما رفض كل الفكرة لنظامٍ فلسفي، كوّن كامو صرحه المبتكر من الأفكار حول المصطلحين الأساسيين للعبثية والتمرّد، هادفاً إلى حل قضية الحياة أو الموت التي قامت بتحفيزه.


والتناقض الأساسي في فلسفة كامو يتعلق بمفهومه المركزي للعبثية. وبقبول الفكرة الأرسطية أن الفلسفة تبدأ بالاندهاش (أو التساؤل)، فإن كامو يحاجج أن الإنسان لا يمكنه الهروب من سؤال، "ما هو معنى الوجود؟". ولكن مع ذلك فإن كامو ينكر وجود جواب لهذا السؤال، ويرفض أي نهاية علمية، غائية، ميتافيزيقة، أو مصطنعة بواسطة الإنسان، بحيث يمكن أن يعطي جواباً كافياً. ولهذا، فبينما يقبل أن الإنسان يسعى حتماً لفهم غاية الحياة، فأن كامو يتخذ الموقف المتشكك أن العالم الطبيعي، الكون، والمؤسسة الإنسانية تبقى صامتةً حول أي هدف مماثل. ولأن الوجود بذاته لا يمتلك أي معنى، فإننا يجب أن نتعلم لتحمل الخواء غير القابل للحل. هذا الموقف المتناقض، ثم، بين اندفاعنا لطرح الأسئلة النهائية واستحالة تحقيق أي جواب كافي، هو ما أطلق عليه كامو العبث. فلسفة كامو للعبث تقوم باكتشاف التبعات الناتجة من هذا التناقض الأساسي.


وفهم كامو للعبثية يمكن فهمه بأفضل طريقة ممكنة في صورة، وليس في جدال: صورة لسيزيف يبدأ بدفع صخرته باتجاه القمة، ثم يشاهدها تتدحرج إلى الأسفل، ثم يهبط بعد صخرته ليبدأ من جديد، في دورة لا نهائية. ومثل سيزيف، فالبشر لا يمكنهم سوى الاستمرار بالتساؤل خلف معنى الحياة، ليروا اجاباتنا تتعثر متراجعة للخلف. وإذا قبلنا هذه الاطروحة حول عبثية الحياة بالضرورة، ومقاربة كامو المعاكسة للفلسفة للإجابة على التساؤلات الفلسفية، فلا يمكننا إلا التساؤل: ما هو الدور المتبقي للتحليل المنطقي والجدال؟ أليس الفيلسوف كامو ترأس وفاة الفلسفة في الإجابة على السؤال ما إذا يمكن ارتكاب الانتحار، عن طريق التخلي عن منطقة الجدال والتحليل، والتحول إلى الاستعارة والمجاز للإجابة عليه؟ إذا كانت الحياة بلا غاية أساسية أو معنى أساسي الذي يمكن أن يعبر عنه بالمنطق، فنحن لا يمكننا إلا التساؤل لماذا نستمر بالحياة والتساؤل. ربما لم يكن سيلينس مصيباً في اعلان أنه كان من الأفضل ألا نولد أو أن نموت بأقرب وقت ممكن؟ وكما كتب فرانسيس جونسون قبل مدة طويلة قبل نقده الشهير لكتاب المتمرد، الذي عجل في التمزق بين كامو وسارتر، أليست الفلسفة العبثية عبارة عن مصطلحات متناقضة، وبالمعنى الدقيق للكلمة لا توجد فلسفة أبداً وإنما هو موقف مضاد للعقلانية التي تنتهي في صمت (جونسون 1947)؟


هل كان كامو فيلسوف حقاً؟ هو بنفسه قال لا، في مقابلته الشهيرة مع جينين ديلبيخ Jeanine Delpech في صحيفة Les Nouvelles Littéraires في نوفمبر\تشرين الثاني عام 1945، حيث أصر على أنه "لا يؤمن كفاية في منطق ليؤمن في نظام ما" (كامو 1965، 1427). ولم يكن هذا حتى موقفاً عاماً، لأننا نجد نفس الأفكار في دفتر ملاحظاته لهذه الفترة: حيث يصف نفسه كفنان وليس كفيلسوف والسبب "إنني أفكر حسب الكلمات وليس حسب الأفكار" (كامو 1995، 113). ومع ذلك، فقد رأى جان بول سارتر فوراً أن كامو كان يقوض عملاً فلسفياً مهماً، وفي مراجعته للغريب في العلاقة مع سيزيف، لم يجد صعوبة (أي سارتر) بربط كامو مع باسكال، روسّو، ونيتشه (سارتر 1962).


هذا التضمين سيباحث التناقض المتعمّد لكامو كفيلسوف بينما يناقش فلسفته. فالمسألة ليست فقط إعطاء قراءة فلسفية لهذا الكاتب المسرحي، والصحفي، وكاتب المقالات، والروائي، ولكن ايضاً اخذ كتاباته الفلسفية بجدية – اكتشاف فرضياتها، وتطورها، وتركيبها، وترابطها. للقيام بذلك هو رؤية أن كتاباته تحتوي على أكثر من مجرد المزاج وعلى أكثر من مجرد صور وتعميمات، وتأكيدات غير مدّعمة، بالرغم أن كتاباته تحتوي على كثيرٍ من هذين الأمرين. أخذ كامو شكه إلى أبعد ما يمكن أن يصل إليه على شكل شك منهجي – بمعنى، أنه يبدأ من مسلّمة التشكيك – حتى يجد الأساس لخلاصة غير قابلة للشك. 


وقد قام بإنشاء بناءٍ فلسفيٍ فريد، والذي تُرِكت فرضياته غالباً غير مصرحة ولم يتم مناقشتها بشكل واضح غالباً أيضاً، ولكن هذا البناء تطور على مراحل متباعدة خلال مسار حياته القصيرة. وهكذا فإن فلسفة كامو يمكن قراءتها على شكل جهد مستمر لتوضيح وليس فقط لتأكيد ما هو مسموح بواسطة عبثية الوجود الإنساني. وفي هذه العملية، يقوم كامو بالإجابة على التساؤلات التي تم طرحها في اسطورة سيزيف "لماذا يجب أن لا أقتل نفسي؟" وفي المتمرد "لماذا لا يجب أن اقتل الآخرين". 



وحقيقةً وحسب الموقع الذي ترجمت منه هذه المقالة، فإن كامو كان يتجنب مناقشة مصداقية أفكاره بل ويتجنب اعتبارها حقيقة موضوعية، وهذا برأيي يجعل كلامه مجرد رأي غير مستند لأي منطق سوى الآراء الشخصية وهذا الأمر خطير جداً. وأنقل لكم أيضاً حبه الشديد للحياة فهو يقول:


"... كل رعبي من الموت يكمن في غيرتي على الحياة، انني غيور ممن سيعيشون من بعدي، وممن سيكون للأزهار والشهوات تجاه المرأة معنى من لحم ودم، انني حسود لانني احب الحياة حبا جما لا استطيع معه الا ان اكون انانيا، ولكن الموت يأتي ليخطف كل شيء... اما المرض فهو الأسوأ، انه دواء ضد الموت، انه يمهد له، انه يخلق الإشفاق على الذات، في مرحلته الاولى انه يدعم الانسان في جهده الكبير في التهرب من يقينه، وأنه سيموت كاملا، واشعر عندئذ ان التقدم الحقيقي الوحيد للحضارة، التقدم الذي يتعلق به البشر من زمن لآخر، هو ان نبدع الموت بوعي واحترام، ان ما يدهشني دوما هو فقر افكارنا عن الموت...".