الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

قانون الهوية أو عدم التناقض أو الوسط المرفوع، ما له وما عليه.. وجهة نظر.

بسم الله الرحمن الرحيم


من يقرأ هذا العنوان قد يتراءى له أن المكتوب مناسب كعنوان لكتاب لا لمقالة تُنشَر في مدونة شبه مجهولة

إلا إنني وعلى عادتي، أستغل فضاء الحرية المتاح لي للتكلم بما أشاء دون المسّ بأحد، وبهذا أعرض رأيي وانتقاداتي

مقال اليوم يتكلم حول "سقوط قانون عدم التناقض" حسب زعم الكثير، بينما لو قمنا بتطبيق التضامر عليه سنصل إلى نتائج مهمة قد سبقنا إليها بكل تأكيد د. علي الوردي في كتبه المشهورة في نقد المجتمع والعقل، هذه النتائج لن تقول بسقوطه كاملاً، بل بتغير المفهوم، فربما يصح أن نقولَ تحجيم أو تغيّر بالمهام

ولهذا أقول أن هذا المقال ليس موجهاً إلى طبقة خاصة من الفلاسفة فقط، بل إلى كل شخص لديه اطلاع على القضية وبنفس الوقت يعاني من الفلسفة والمنطق فلم يرتح لهما

وعذراً على المقدمة الطويلة

قراءة ممتعة



العقل البشري وطرق تكوين الأحكام فيه تتبع قواعد معينة عموماً، وهذه القواعد، حسب علم الاجتماع الحديث، تتبع البيئة بشكل قوي، اذن تكون الأفكار المنطقية نفسها نتيجة للبيئة وبهذا يعتبر علم الاجتماع الفلسفة نتاج اجتماعي بحت أكثر مما هي صفة عقلية محضه.

وهو بهذا قد افترق عن الفلسفة الميتافيزيقية بشكل جلي، فالفلسفة الميتافيزيقية فيها من المصادرات ما فيها قد تصل إلى درجة تجعل الممكن واجب وجود! فالأعداد حسب المذهب الإفلاطوني هي وجودات مطلقة كونها حقيقة لا تقبل التغير، فالعدد واحد هو واحد أين ومتى كان أو يكون أو سيكون، فالواحد بصفته المجردة متعالي عن الحقائق المادية والواقع المتزاحم ليرتقي إلى مصاف الآلهة، إلى درجة أن هناك معضلة إسمها معضلة الإله الإفلاطوني.

إن معضلة الإله الإفلاطوني حقيقة هي ما غيرت رأيي تجاه الفلسفة لأن الله تحوّل إلى كائن منطقي يخضع للمنطق بكل صوره، وقبل أن أعطي رأيي، سألخص لكم مشكلة الإله الإفلاطوني. إن مشكلة الأعداد كونها وجودات مجردة متعالية ضرورية بذاتها، تجعل من الله ليس الوجود الوحيد القائم بالذات، وبالتالي تصبح الأعداد سابقة لوجود الله لأن الله يخلق وفقها! وبالتالي فالله لن يكون هو القديم. وقد التف الفلاسفة حول هذه النقطة وقالوا أن العقل المطلق يحوي جميع تلك الحقائق، وبالتالي فالأرقام هي حقائق إلهية متعالية وهكذا تحول الله إلى رياضي تجريدي ونحن لا نعلم. 

بل من خلال نقاشاتي مع المتكلمين وحسبما فهمت منهم، وليصحح أحدهم فهمي إن اخطأت، أن الله لا يستطيع مثلاً خلق دائرة مربعة لأن هذا يحوي التناقض في ذاته ويكون الممكن معدوماً وقدرة الله لا تدخل في المعدومات. ونقصد هنا بالعدم هو العدم المطلق الذي هو نقيض الوجود، فالله يخلق كل ممكن بخصوصيته. ومن هنا بدأت مشكلتي، وهي أن الله محكوم بالآلة المنطقية بالخلق وبالتالي هو لا يخلق بحرية فلا يكون هناك تمام للإرادة. 

اذن كما نرى قد دخلت الفلسفة في عمق فهمي الديني لصفات الله، فأمسى الله قادر غير قادر، وهذا حسب قانون عدم التناقض محال، فيكون الله نفسه عدماً! ومن هنا بدأت رحلة البحث. 

وقضايا اجتماعية أخرى تطرق لها علي الوردي رحمه الله كيف أن عدم التناقض لا يمكن تطبيقه على البشر فالإنسان قد يعمل عملاً شراً فيراه البعض خيراً في نفس الوقت، فيكون الخير والشر هنا نسبيان، ويفقدان النسبية عند العودة إلى المرجعية الفكرية فيرتفع التناقض ويختفي فجأة كما ظهر! 

نعم، الحياة مسارات وطرق مختلفة، وكل مسار وطريق يحوي ما يحويه من مصاعب وعقبات وتبعات يجب على المرء أن يتحملها، وضريبة من يتعمق في مسارات العلم المختلفة سواء أكان العلم التجريبي أم العلم الاجتماعي أم العلم الرياضي أن يقف على مفارقات تغير من رأيه كثيراً وتجعله يعيد التفكير في نفسه ويعيد تقييم ما وصل له من جديد، وهذا حال كاتب هذه السطور. 




فقد وصلت إلى نقطة افتراق مهمة جداً، كنت وقفت عليها وخشيت أن أكسرها، ولكني الآن تجاوزتها وسأقول لكم بعد قليل كيف. فقد بت أرى قانون عدم التناقض بنفسه غير صالح مطلق الصلاحية، فمثلاً يكون الله الظاهر الباطن، الغفور شديد الانتقام، المعز المذل، ويكون الإنسان ملهم الفجور والتقوى بنفس الوقت، ويكون الإنسان حيا ميتاً بنفس الوقت بأن تجري فيه عمليات الحياة والموت تباعاً، وهذا قاد بي إلى القول بالتناقض، بينما هو ليس تناقض، بل هي عملية جريان وسيولة، أو ما يعرف بالجدل الديالاكتيكي. 

فتحول عندي قانون عدم التناقض من قانون وجودي حاكم إلى قانون معرفي حاكم وإذ به يرتقي إلى مرتبة، هل هذه الفكرة صحيحة أم خاطئة. ولكن سرعان ما تبين ضعف هذا المزعم عندما وقفت على أفكار تكون صحيحة في جزئيات وخاطئة في جزئيات، وبالتالي أصبحت هذه الأفكار بنفسها متناقضة بالذات، وحسب قانون عدم التناقض هي من الاعدام. ومن الأمثلة على أفكار تحمل نقيضها في داخلها قوانين نيوتن حيث هي تفترض اموراً وتعمل في مجال معين لا تصلح خارجه. 





اذن ما السبيل؟ قانون عدم التناقض يعمل جيداً، ولكنه أيضاً لا يعمل جيداً في نفس الوقت، وفكرتي صحيحة وغير متناقضة مع نفسها! فصار عدم التناقض يحوي التناقض! وكأن التناقض في الأشياء صار صفة لعدم تناقضها، وقد هالني هذا الأمر حقيقةً في البداية حتى وقفت على نظرية التضامر التي حوّلت الإطار المعرفي الخاص بي إلى مفهوم أكثر رسوخاً وعمقاً. 

فالتضامر يلزمك بكون قانون عدم التناقض صحيح لا صحيح بدلالة محددة، وتلك الدلالة هي التي تحكم صحة عدم التناقض من عدمها، وبالتالي ما لم نذكر الدلالة المحددة لن يكون لتعميمنا أي معناً. فالتعميم باستخدام قوانين المنطق والفلسفة لابد أن يخضع لما نعرفه بالأطر والحدود، مثله مثل أي نظرية علمية تجريبية أو قوانين رياضية معروفة!

وهنا الفيصل والافتراق بيني وبين مدعي إطلاق المنهج وختم الفلسفة، فأنا لا أقف عند رأيهم وأكتفي به، ولا أنظر لما قاموا به كختام لنبوة العقل والعلم، ولكني أعتبر ما يقومون به هو أحد الأوجه المتعددة لما نراه في العالم من ظواهر، ولا أقول حقائق.



إن قانون عدم التناقض كما أراه وأفهمه، قانون، وله ما له من امتيازات يمتاز بها القانون، وعليه ما عليه من المثالب ما تقع على القانون، وبالتالي يجب أن يخضع فهم عدم التناقض إلى الدراسة والفهم. 

ماذا عن معضلة الإله الإفلاطوني وما سيحدث لها لو أسقطنا عليها ميزان التضامر؟ فحسب التضامر، سيكون العدد واحد مثلاً: واجب وجود، لا واجب وجود، بدلالة النظرة لطبيعة الوجود. فان اعتبرنا الوجود إسقاطاً لعالم المثل، وجب علينا جعل العدد واحد متعالياً وعندها عدنا لنفس المشكلة، ولو اعتبرنا أن الأعداد ما هي إلى تجريدات للواقع المادي، سنقع في مشكلة أخرى، وهي نشوء الفكر التجريدي. فقدرة الإنسان على صناعة الرموز من أمثال المعادلات والرياضيات واللغة، وفهم دلالة تلك الرموز بعمق، بل وتحويلها إلى لغة عالمية مثل العمليات الجبرية، لهو أمر قد يجيب المثل عليه، ولن يجيب الإسقاط من الواقع عليه. فلا يوجد تجربة توضح شكل القسمة وبعض الفرضيات العقلية. اذن لابد أن يكون الجواب قضية ثالثة، تختلف عن كلاً من نظرية المثل ونظرية التجريد. ربما لن استطيع اليوم الوقوف عليها، ولكن من يدري فمستقبلاً سأرى بوضوح نظرية جديدة تجمع المثل مع التجريد وتنهي النزاع الفكري! 

إن آليات الفكر يجب أن لا تخضع إلى قانون أو قانونين أو حتى عشرة قوانين، بل يجب أن تكون وببساطة، متعددة القوانين والأسس حتى لا تقع في مغبة المصادرات بلا فهم ولا إدراك. ولا جرم إن قلنا أن المنهج العلمي هو الأسلم في احتمال المتناقضات عن طريق اخضاع الحكم للتجربة، وأن المنهج الاجتماعي هو الأوضح في التعامل مع نسبية المفاهيم الاجتماعية والتي تختفي نسبيتها بمجرد وضع الإطار الفكري العام فيعود الفكر المطلق للظهور. 



وكلمة استدراكية، إن دعاة الحق الاوحد والفهم المطلق، لا يرون نسبيتهم لأنهم محصورون في إطار فكرهم الوحيد، فلا تناقض عندهم مع أسسهم وقد يظهر تناقض معين ولكن لا يشعرون، مادام الأساس لم يتغير! وقد أجاد علي الوردي في تبيان هذه المسألة بشكل جلي في كتابه مهزلة العقل البشري. 

إذن خلاصة القضية فإن عدم التناقض قد يصلح للحكم على الفكرة على أنها صحيحة أو غير صحيحة في حدود أسسها الفكرية ويظهر لنا التناقض في الفكرة عندما نغير الأسس وبالتالي يتحول من قانون إلى أداة فعالة ومهمة في تحليل الفكر الإنساني بدلاً من أن يكون قيداً نحاصر به نفسنا ونخاف أن نكسره.

وآسف على الإطالة