السبت، 11 أكتوبر 2014

الاعجاز العلمي، نظرة واعادة تقييم.. منظار شخصي

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أستبعد أن البعض ممن لديه اطلاع على أفكاري في صفحة أنا مسلم يعلم موقفي المتشدد مما يسمى الاعجاز العلمي في القرآن والذي يحمل في طيّاته رفضاً لهذا المسمى.

هذا الرفض عندي مبني على أسس سأناقشها تباعاً وسأعطي رأيي أيضاً في بعض ما يراه المسلمون على أنه إعجاز كيف أنه اعجاز لكن من نوع آخر، وليس ما يدعون.

ولا أنكر إني كنت متحاملاً أول مرة كتبت فيها هذا الموضوع، بسبب بعض المواقف المتشددة من رأيي وعدم مناقشتها، ولكني، والشكر للدكتور نضال، عدت إلى درب الرشد فأعدت صياغة ما كتبت كي يكون أكثر علمية وأكثر موضوعية قدر الإمكان.

قراءة ممتعة



آمن المسلمون عموماً بوجود عدة أنواع من الاعجاز في القرآن الكريم فحسب كلام الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، يقول: 

أيها الأخوة الأكارم, موضوع إعجاز القرآن الكريم شيءٌ بات مسلماً به، هناك إعجازٌ رياضي، هناك إعجازٌ تشريعي، هناك إعجازٌ بلاغي، هناك إعجازٌ بياني، هناك إعجازٌ علمي، أنواع الإعجاز التي جاء بها القرآن، والتي جعلها إعجازاً إلى أبد الآبدين موضوعٌ مسلمٌ به، لكن الشيء الذي يلفت النظر أن من هذه الإعجازات من بين قائمة إعجازات القرآن الكريم: الإعجاز العددي أو الإعجاز الحسابي .


بالتالي فالرأي السائد في الشارع الإسلامي هو تعدد أنواع الأعجاز. إن قضية الأعجاز في القرآن الكريم، بغض النظر عن كون الإعجاز موجود أو غير موجود، تعتبر مصدراً لإعادة الاطمئنان إلى قلوب الذين آمنوا، عن طريق اضافة جرعات من أمصال الصدق، إلى مجموعة الإيمان لدى المؤمنين. بمعنى أن وجود إعجاز، أي إعجاز كان، يؤدي إلى زيادة ثقة أتباع الدين الفلاني بقضيتهم. فمثلاً لنأخذ الأخوة المسيحيين، هل يدّعون لنفسهم اعجازاً؟ الجواب نعم. انظروا معي:

عنوان هذا القسم الأصلي كان "الكتاب المقدس والعلم الحديث"، ولكننا آثرنا أن نضع العنوان الآخر لأن كثير من الباحثين من الأخوة المسلمين الأعزاء ينظرون لهذه النقطة بهذا الشكل، فالعنوان هدفه فقط وصول الباحث لهذه الصفحة، وليس كنوع من الرد على موضوعات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم..  فنحن موقع مسيحي لا علاقة لنا بالإسلام.  والكتاب المقدس أعظم وأسمى من أي إعجاز علمي..


أيضاً وعلى نفس القياس هناك الاعجاز العلمي في "الفيدا"، مجموعة الكتب المقدسة لدى الهندوس، وتستطيعون قراءته على هذا الرابط والبحث والتأكد بأنفسكم:
http://www.nationalkuwait.com/forum/index.php?threads/194900/



برأيي، إن القضية لم تكن يوماً ما الغاية منها الانتصار أو الإفحام، بل هي تمتد إلى جوانب معينة تتعلق بقضايا معينة ذات طابع نفعي نفسي. هذه الدوافع تتراوح بين كون الدين صحيح، بسبب وجود أعجاز به، وبالتالي هو متفوق على غيره من الأديان! وبين إن هذه الدوافع هي رد فعل صريح على تحديات الفكر المخالف حيث يطالب الفكر المخالف بإثباتات على صحة الدعوى الدينية. والآن وبعدما تبيّن أن لكل دين مجموعته الإعجازية، أستطيع أن أقول وبكل صراحة وفق معايير المقارنة أن القضية تتبع اللغة والتلاعبات اللفظية وليس العلم الحقيقي، وبالتالي فمفهوم الإعجاز نفسه عبارة عن مفهوم نسبوي لا يمكن اعتباره مطلقاً. 


وهذا لا يعني أن الإعجاز منفي، أو غير موجود أو وهمي، ولكن في كل نص نفترض فيه أنه وحي نازل من الله، لابد أن نجد لمحات وشذرات على صدق الدعوى قابلة للتأويل في صور بلاغية أو علمية أو أخلاقية أو اجتماعية. ولكن كل هذا لا يمكن أن يُثبِت صدق الدعوى بشكل حاسم أو حتى أفضلية دين على آخر. ولابد لو أنكم قمتم ببحث سريع ستجدون نفياً لكل أنواع الإعجاز في جميع الأديان. وطبعاً تدخل الترجمة والنقل بشكل جلي وواضح دائماً في صناعة الإشكالات الفكرية. 


واليوم، ومع ثورة تكنولوجيا المعلومات، سواء أكانت متلفزة أو محوسبة، نجد انتشاراً واسعاً لما يعرف بإعجاز القرآن والسنة بين المسلمين إلى حد استخدامه كوسيلة لنشر الدين الإسلامي بين غير المسلمين. لن يكون الإعجاز العلمي هو سلاح لمواجهة الكفر وهداية الناس، بل في أفضل السبل سيكون أداة لتقوية إيمان طبقة البسطاء والعوام، تحت راية: دينكم لا يخالف العقل والعلم. في الحقيقة، لن تكون المواجهة بين الكفر والإيمان مبنية على العلم، فالعلم لا أدري، وكلٌّ يسخره لهواه. إنما تكون مواجهة الكفر بنقاشات عقلية منطقية يظهر فيها أن حتى الكافر يملك درجة من الإيمان والتسليم، وأن أفضل ما قام به هو إلغاء الله، واستبداله بشيء آخر يحلّ محله، ليس أخلاقياً، بل فقط كآلة خلق صمّاء. فالحاجة للإعجاز نبعت من كون الإيمان تحول لطبيعة مادية بغيضة فصار الإنسان لا يؤمن إلا إن وافق إيمانه ما يظنه واقعاً، مع أن هذا الواقع في ذاته مُشكِل علمياً وفلسفياً.





وطبعاً، وكما لكل حركة مجموعة من الأهداف، فبالتأكيد لحركة الاعجاز العلمي أهداف. من موقع الهيئة العالمية للاعجاز العلمي في القرآن والسنة نأخذ النقاط التي تصب في أهداف الهيئة:


أهداف الهيئة:



تعمل الهيئة على تحقيق الأهداف التالية:

1. وضع الأسس و القواعد التي تضبط الاجتهاد في بيان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

2. الكشف عن دقائق معاني الآيات في كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالعلوم الكونية في ضوء أصول التفسير ووجوه الدلالة اللغوية ومقاصد الشريعة الإسلامية دون تكلف.

3. ربط العلوم الكونية بالحقائق الإيمانية ، وإدخال مضامين الأبحاث المعتمدة في مناهج التعليم في شتى مؤسساته ومراحله .


4. الإسهام في إعداد علماء وباحثين لدراسة المسائل العلمية ، والحقائق الكونية ؛ في ضوء ما ثبت في القرآن والسنة .

5. توجيه برامج الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لتصبح وسيلة من وسائل الدعوة.

6. تنسيق الجهود المبذولة في العالم في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة والتعاون مع المؤسسات والمراكز ذات الاختصاص .

وهكذا نرى أن الأهداف ناشئة من أجل إزالة الفوارق بين الدين والعلم بشتى الوسائل مع العلم أن القضية أصبحت نفسياً كالآتي: العلم صحيح، ويجب على الدين أن يطابقه، والسؤال: ماذا لو لم يطابقه؟ تلك مسألة عويصة، لأن جماعة الاعجاز يجب أن يجلسوا منتظرين متى يجود عليهم أرباب البحوث بالنتائج من أجل تعزيز الإيمان، والسؤال: ماذا لو لم ينتج شيء من هذا؟ بالإضافة للطبيعة المنحازة لنفس البحث وهذا الأمر مرفوض كلياً في نطاق البحث العلمي لأنك باختصار ستقوم بمغالطة راعي البقر الأمريكي. تلك مشكلة لا يدرك عمقها أرباب الإعجاز العلمي. 

 لعقود قبل فكرة الانفجار الكبير عاث أرباب المادية فساداً في فكرة الخلق وكم من شخص ترك دينه بسببها، أو لنقل على الأقل دخل المؤمن في بحث عميق مما أدى به إلى القول مثلاً بأزلية الكون مع وجود الخالق؟ ومساءل أخرى مثل التطوّر، فهل التطوّر أيضاً من الأعجاز العلمي للقرآن؟ لماذا لا يتم ادخال التطوّر كجزء من الاعجاز العلمي؟ أعلم سيقولون عدم وضوح الألفاظ والتأويل الزائد. 


ويبقى السؤال ما هو الاعجاز العلمي؟ من كتاب الاعجاز العلمي في القرآن، تاريخه وضوابطه:



وكنموذج للحقيقة التجريبية "الإنفجار الكبير" فهذه الحقيقة المزعومة لم يتم اثباتها إلى الآن بل هناك نزاع حولها بين الفيزيائيين، فكل ما لدينا من الدلائل هو أن الكون يتمدد. هذه الصورة من موقع علمي مختص يناقش مسألة الانفجار الكبير وأين منطقة الثقة والعلم.








مصدر الصورة:



نعم فالقضية ليست بهذه البساطة، هناك "مؤشرات" أن للكون بداية، ولكن ليست بتلك القوة، ومجموع الفيزائيين يعتبرون المشاهدات غير حاسمة. اذن القضية ليست مثل تبخر الماء التي استخدمها صاحب كتاب الاعجاز العلمي في تعريف الحقيقة العلمية:




وهنا تكمن مغالطة منطقية وهي الاحتكام للسلطة أو للإجماع، إجماع العلماء قد يكون حجة في الشريعة ولكنه ليس حجة في العلوم، فعالم واحد يثبت ما وصل إليه يفند ما اجمع عليه ألوف قبله. بل هناك أدلة ناقشناها في الدليل التجريبي على انكسار القانون الثاني للديناميكا الحرارية وعن تقلص المعادن بالحرارة فعن أي حقيقة تتكلمون؟ ولمن يريد أن يراجع مقال "لا اؤمن إلا بالدليل التجريبي: خرافة إلحادية" ليفهم مشكلتي مع الدليل التجريبي فليفعل. 

وقد استدرك الكاتب قائلاً:

وهذه مشكلة عويصة، لأن القرآن لم يتكلم عن غليان الماء حسب فهم الكاتب، بل تكلم بحقيقة نشوء الكون حسب الانفجار الكبير كما ظن مؤلف الكتاب، بينما ما يظنه حقيقة، هي في الواقع نظرية، نظرية محملة بمشاكل وعقبات لازالت تنتظر أن يحلها الزمن! فكيف يمكن ربط نظرية نشوء الكون بالقرآن؟ هذا مأزق متروك لجماعة الاعجاز كي يحلّوه.



وهكذا قام أصحاب مدرسة الإعجاز العلمي بتحويل الآيات الكريمة في القرآن من خانة التذكير والتوعية والتعليم إلى خانة منافسة البحوث العلمية المادية في الدقة، مع إني أرى أن الألفاظ في القرآن أتت صالحة لفهم العرب وملائمة لدقة الوصف في نفس الوقت.


حقيقة يقوم التأويل العلمي للقرآن على أساس تعدد المعاني والاستخدامات اللفظية والمجاز أحياناً في القرآن، حيث نجد في بحوث تحليل لكلمة كاملة واستنباط لمعاني علمية منها. هذا يقود إلى حالة من الاستعجال وعدم التروي في فهم القرآن. ومن أمثلة الاستعجال في التأويل، الرتق: فهذا هو عبد الدائم كحيل يقدم تفسيرين لا تفسير واحد لآية الرتق فيقول: 


كيف فهم ابن عباس هذه الآية
هناك تفسير رائع لابن عباس رضي الله عنه يقول فيما معناه: كانت السماء رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تُنبت، ففتق الله السماء بالمطر، وفتق الله الأرض بالنبات. وبالفعل ثبُت علمياً أن الأرض كانت في بداية خلقها ملتهبة لا تنبت، والغلاف الجوي لم يكن قد تشكل أي لا توجد أمطار، ثم تشكل الغلاف الجوي للأرض وتشكلت الغيوم وبدأت السماء تمطر، وبدأت الأرض تنبت بعد أن تبردت وتشكلت الجبال والأنهار والبحار.

هذه عظمة القرآن أن كل إنسان يستطيع أن يفهمه حسب ثقافة عصره، ولا نجد أي تناقض في فهم كتاب الله تعالى وهذا ما حدثنا عنه القرآن بل أمرنا بالتدبر من أجله، يقول تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].


فتفسير ابن عباس حلّ مشكلةً وهي جعل كل شيء حي من الماء، وبالتالي فليس الفهم الأوحد هو الخلق الكوني. ثم هذا يأخذني للقضية الأخرى المهمة، وهي أن الإطار الفكري الإسلامي لا يرتبط بالإطار الفكري المادي إلا في جوانب محدودة، فهو يؤمن بكون مخلوق بغض النظر عن شكل الخلق. وطبعاً هذا يطرح نقاط توافق ونقاط خلاف، وليس هنا محل ذكرها. وبالنسبة لي فإني أنصح جماعة الإعجاز العلمي بدلاً من الجلوس والانتظار والبحث، لماذا لا يستثمر العلماء المسلمون هذه الآيات في البحث عن آليات الخلق؟ لماذا لازلنا ننتظر ما يجود به الغرب علينا حتى نقول هذا عندنا وهذا معجز؟ 



ولو تأملنا الآيات سنجد كلمة "أولم يروا" أو "أولم يرَ" وهي في ظاهرها واضحة على أن الحدث يحدث أمام العين، يشاهده المشاهد عياناً، فأين خلق الكون من هذا؟ بل فهم هذه الآية يتعارض مع الآية: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51). 


نحتاج إلى رؤية خالية من الاستعجال بشكل جلي. نعم، قد يكون وصف الأجنة دقيقاً، ولكن مثلاً قضية أخرى مثل البرزخ بين البحرين، التي يقصد فيها باختصار فضل من الله أن لا يجعل البحر يبتلع النهر عن طريق حاجز وهمي مثله مثل الجاذبية مثلاً، لا علاقة له باكتشاف "حاجز مخفي". هؤلاء الذين يتكلمون عن حواجز أيونية وحواجز من نوع آخر لا يدركون ما يقولون، ولكن ما يجهلوه باختصار هي ظاهرة نشوء الطبقات بسبب فرق درجات الحرارة والتوزيع حسب الكثافة ثم الوصول إلى الحالة المستقرة. وهناك من يرى الأعجاز العلمي في وجود تيارات داخل البحر من خلال الآية "موج من فوقه موج" والتي هي أنهار حرارية باختصار. 


أنا لا أنكر وجود إعجاز في القرآن، ولكني أنكر على الآخرين اقتناص البحوث ونسبها للقرآن هكذا جزافاً فقط للانطباق الظاهري للألفاظ. وبالتالي يمكن فهم أن القرآن أخبرنا بطريقة مباشرة عما يظنه البعض اعجازاً علمياً إلا في بعض الأمور وهنّ:

1- خلق السماوات والأرض.


2- خلق الأجنة.


3- البرزخ بين البحرين.


4- الجبال.


5- الأنعام.


6- العسل.


7- حركة الأفلاك. 

كل هذه الآيات عندي تذكير لقدرة الله ونعمته علينا وبالتالي ليست اخباراً عن العلوم بل تذكيراً بقدرة الله وتأكيداً على قيوميته وفضله. فمن أراد تحميل الألفاظ وجعل لها أبعاداً مخفياً فلا يعدو هذا اجتهاداً منه، وبهذا لا يمكنني اعتباره حجة على غيري، فالأصل عندي في الفهم للغة ومعانيها العربية الصريحة، وليس فقط ظاهر المعنى. 

إن مفهوم المعجزة هنا أصبح مفهوماً سلبياً علينا لا إيجابياً، يكفي أن تقول" كل ما تعرفونه موجود عندي في كتاب الله، فقط قوموا وابحثوا في مجال الآيات المذكورة لنرى إنكم ستصلون إلى ما يقوله كتاب الله. بقدر ما كانت هذه الجملة تحمل الانتصار ظاهرياً، إلا إنها إنكسارة فكرية شديدة، فقائلها يزعم أن لديه كل الاجابات وأن غيره سيكشفها وهو سيصادر الجهد! 

إذن ماذا يجب أن نفعل؟ ماذا على المسلمين أن يفعلوا؟ يجب على المسلمين أن يوفقوا بين كلمة القرآن، وبين الفهم العلمي، عن طريق اجراء بحث علمي منفصل بهدي القرآن. وهكذا يتحول الأعجاز العلمي إلى انتصار فكري بدلاً من حالة كسل وخمول كبيرين كل همهما باختصار سرقة جهود الباحثين واقحامها فكرياً فيما نملك. 

الآن ما السبيل إلى وجود اعجاز علمي؟ أقول أن الآيات ثابتة، ولكن الفهم لها يتطوّر، فلا يمكن إنكار مثلاً حركة الأفلاك أو فوائد العسل، أو الأجنة، وبهذا يكون القرآن هو بداية فهم الوجود وليس انطباقاً للعلم عليه! هكذا أراه وأفهمه. فالقرآن إنما ضرب الأمثال للتذكير، وأمر بالتعلم والعلم، ولم يأمر بالجلوس منتظرين موائد الغرب كي تحن علينا بالبحوث فنقفز فرحين: هذا عندنا!

أنا عندما أقرأ قسم الله بمواقع النجوم، لا تحضرني نسبية آينشتاين وأن القرآن احتوى على النسبية! حاشى للقرآن أن يحتوي على نظرية علمية فيها مشاكل وتناقضات مع قضايا أخرى. لكني أفهم أن مواقع النجوم أمر عظيم، وهو ما يقوله تعالى: "لو تعلمون لعظيم" وعندما يتكلم الله عن الأجنة، أتذكر قوله أن خلقنا ونحن لم نكن شيئاَ. وعندما أقرأ كلامه حول العسل والدواء والطعام، أتذكر فضله بتسخير الكائنات لنا. فلا يحضرني أي شيء علمي عندما أقرأ تلك الآيات.

ما الحل؟ الحل برأيي هو عكس المفهوم المنتشر، أي أن نبدأ بإشارات القرآن في فهم الوجود لننطلق بالبحث العلمي بالاستدلال به، وهذا ديدن المتكلمين حقيقةً في فهم الوجود وانشاء المنظومة الفكرية الفلسفية. أي أن القرآن كان هادياً لهم، كما يجب، في تصميم الفكر الإسلامي بطريقة فلسفية عميقة، وقد خسرنا هذا للأسف وأتمنى أن يعود. 

نعم، إن القرآن معجز، وما مذكور فيه كلام دقيق جداً ووصف منيع، ولكن المشكلة تحدث عندما يصيبنا حالة من الخداع النفسي بأن نجلس وننتظر أن يمن الآخر علينا بالكشوفات فنسرق كشفه ونقول هذا عندنا، هذا أمر غير مقبول. إن الأعجاز العلمي ليس سوى فكرة في عقل قائليه طالما كانوا ينتظرون من المقابل أن يمن عليهم بالاكتشافات، بينما سيكون اعجازاً حقيقياً لو استخدمنا مفاهيم القرآن في الانطلاق في فهم الوجود بكل عمق. لقد أسس المتكلمون الاوائل علماً فلسفياً فيه أفكار موازية في العمق لمنطوق ميكانيكا الكم والفيزياء الحديثة فقط بتأمل القرآن وأصوله. فما الذي يمنع أن يستفتح باحث بحثه بآية؟ 

بدلاً أن يقول الباحث أن الآية الفلانية تحوي كذا وكذا، وبهذا فهو يقوم بتحميلها فوق طاقتها، يقوم بذكرها، ثم يقول بأنه تأملها وأنها فتحت عليه آفاقاً معرفية أوسع، فينطلق في سماء البحث العلمي بهدي من القرآن وأصوله. وبهذا يكون كتابنا حقيقةً معجزاً لأنه صانع أفكار ومؤسس بحوث، وليس فقط من الكتب التي تنتظر أن يأتي غيرها بمصاديقها! 


والله من وراء القصد. 


ونعتذر على الإطالة.