السبت، 8 نوفمبر 2014

د. رنا دجاني Dr.Rana Dajani ، نقد لرأيها في التطور والدين

بسم الله الرحمن الرحيم

حقيقةً لفت نظري مقطع يوتيوب منشور في صفحة السعودي العلمي، وقد احتوى هذا المقطع على تصريحات برأيي تمثل الرأي السائد بالقضية التطوّرية وليس بالذات الواقع المنظور.

فقد تم تقديم التطوّر على أنه حقيقة، وأيضاً تم تقديم رأي الدكتورة الشخصي في قضية آدم وخلقه. 

وطبعاً لأنها عرضت رأيها، بل وتم اعتبارها "واجهة" لمؤسسات أخرى تدعم المنظور العلمي الديني كما يقولون، فهي أكيد ستتقبل وجهة النقد لرأيها بكل صدر رحب. 

يحضرني قوله تعالى:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا {50} مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا {51} ----- سورة الكهف

قراءة ممتعة. 



قبل أن أبدأ، سأزودكم برابط المقطع من اليوتيوب، حيث تستطيعون مشاهدته مترجماً بالكامل. طريقة العمل تقوم على نقل السؤال وخلاصة جواب الدكتورة، ونقد جوابها بالطبع تباعاً. 



السؤال الأول: هل التطوّر حقيقة؟
الجواب: تقود د. رنا أن التطوّر حقيقة تم اثباتها بالمنهجية العلمية والتجارب وبمختلف الأدلة. والتطوّر (نمو الكائنات من أبسط إلى أعقد) عندها حقيقة، وليس نظرية، لأن النظرية قد تصيب أو تُخطئ، ولكن يجب أخذ نمو العلوم وتقدمها بعين الاعتبار، لما لها من دور في تشكيل رؤيتنا للتطوّر. وبالتالي حسب ما لدينا من علم وتكنولوجيا حالية، فالتطور حقيقة. وحالياً يوجد آليات مقترحة لوصف العملية التطورية مثلها مثل أي نموذج معين لوصف ظاهرة طبيعية تحدث.




التعقيب: طبعاً يجب أن نتفق أولاً على معنى كلمة حقيقة، فهل الحقيقة هي الواقع أم هي فكرة منطقية متعالية؟ بمعنى مثلاً حسب المنهج الافلاطوني أن 1+1=2 هي حقيقة متعالية عن الزمان والمكان، وبالتالي هل التطوّر البيولوجي ينتمي إلى هكذا حقيقة؟ أم أن قصدها أن التطوّر هو ظاهرة طبيعية قابلة للرصد؟ فإن كان قابلاً للرصد اذن لن يكون هناك خلاف حولها، لكن ماذا نعني بقابلية الرصد؟ 
أظن الدكتورة، ولقصر الوقت المتاح لها، أغفلت تعريفين مهمين جداً في القضية، وهما: التطور الماكروي Macroevolution والتطور المايكروي Microevolution وطبعاً إن كانت تقصد بأن النوع الأخير هو القابل للرصد لن نختلف معها أبداً بل نحن نقول لها كلامك على العين والرأس. ولكن الأول، هو المصيبة الفكرية، وهو الذي نختلف حوله أصلاً. وبالتالي فكلمة حقيقة لديها هي كلمة "نسبية" لا مطلقة، بمعنى أن هذه الحقيقة لديها "مشروطة" وللأسف الدكتورة لم تقدّم لنا تعريفاً صريحاً للحقيقة وفق وجهة نظرها، بل فقط صادرت المفهوم بلا تأسيس. خلاصة كلامي أنها فشلت في إثبات أن التطوّر حقيقة، ربما لقصر الوقت، وربما لأنها تعبّر عن وجهة نظر داروينية بحتة لا أكثر ولا أقل. 


السؤال الثاني: ما هي أدلة التطوّر؟
الجواب: تقول د. رنا أن سابقاً كانت الأدلة عبارة عن الأحافير والأجنة، ولكن أدلة الأحافير فيها مشاكل (شكراً على صراحتها) واليوم نحن نملك الدليل القاطع على حدوث التطوّر بشكل لا يقبل الشك، من خلال التقدّم العلمي في مجال الوراثة حيث تتشابه جميع الكائنات بتركيبة الحمض النووي DNA، حيث يمكن مقارنة البروتينات بين مختلف الكائنات وايجاد درجة التشابه بين الكائنات، على سبيل المثال بروتين سيتكروم سي، الذي يتشابه جداً لدى الإنسان مع تلك الموجودة في كائنات مختلفة مثل القردة والبكتريا والنباتات. وهذا (بنظرها) دليل على اننا نشأنا من أصل بسيط واحد.  




التعقيب: حقيقةً أنا أتفاجأ من تهافت هذا الدليل. يا سيدتي الفاضلة، هل يقول العلم أن هذا الكلام هو "دليل"؟ أم أن العلماء ارتكبوا مغالطة راعي البقر الأمريكي فقالوا أن التشابهات هي دليل على الأصل المشترك؟ بمعنى أن التشابهات هناك موجودة مذ بدء الخليقة، فتم مصادرتها على أنها أصل مشترك؟ نريد منك إجابة صريحة. الآن سأعرض القضية على شكل نقاط:

1- بروتينات الكائن أ تشبه بروتينات الكائن ب: الاستقراء الأولي يقول أن هناك تشابه أولي بين الكائنين. الاستنباط الأولي يقول أن الكائنين لديهما درجة قرابة. 

2- بروتينات الكائن أ تشبه بروتينات الكائن ب: الاستقراء الأولي يقول أن هناك تشابه أولي بين الكائنين. الاستنباط الأولي يقول بأن مصمم هذان الكائنان واحد. 




لاحظي يا دكتورة، كيف اننا مشينا في نفس التسلسل المنطقي، فوصلنا لنتيجتين مختلفتين كلياً، وقد تحتجين علي بالأخطاء المشتركة، فأرجع وأقول أن هذه الأخطاء المشتركة، ليست أخطاء، لأننا يجب أن نعرّف ما هو الخطأ أولاً ونوضح كيف يكون خطأً، بل هي تشابهات تصميمية. فتشابه سيارتي كيا و بي أم دبليو، ليس لأن كليهما من ألمانيا، بل لأن تصميم السيارة مبدئياً واحد. هكذا هي. 

قضيّة أخرى، التعقيد غير القابل للاختزال، هل يمكن أن تنظري له بعين الجدية أم هناك مشكلة في هذا؟ يا دكتورة، نحن بحاجة للحمض النووي كي تنتج الخلية الجدار الخلوي وبنفس الوقت نحن بحاجة للجدار الخلوي كي تنتج الخلية الحمض النووي. هذا ما أقصده بالتعقيد غير القابل للاختزال. مجرّد تخيّل الأرض كمفاعل حيوي ضخم، لن يحل الإشكال. وأنت بيولوجية مختصة. ربما أطرح عليك هذه القضية عن طريق شخص أكثر اختصاصاً مني، موجود الكلام على هذا الرابط: 

بأمانة، هل وقفتِ على ردود مخالفي التطوّر؟ لا أظن أن لديك خلفية جيدة، فتزييف الوعي الممارس من قبل مؤسسات البحث العلمي، وعدم قبول بحث لا يتلزم بمنهجية داروينية بحتة، وأيضاً المناهج العلمية المكرّسة لهذه القضية كلها أسباب عميقة تشارك في تأصيل المشكلة أكثر فأكثر. الإنسان العلمي يجب أن يتمسك بلا أدرية واضحة علمياً. 

مقالات أخرى تستطيعين متابعتها وقراءتها على هذا الرابط:

نريد دليل حقيقي على الأصل المشترك الذي لا دليل عليه إلى الآن. نريد الخروج من الميتافيزيقا العلمية إن سمحت. ربما لديك مخرج واحد: اعترافك بأن التطوّر هو جزء لا يتجزّأ من إطارك الفكري ولا يمكنك التخلي عنه، عندها سأترك النقاش لأني سأواجه عقيدة لا علم. وللملاحظة، للآن لم أتناقش معك سوى بالعلم والفلسفة. ولكنك دخلتِ في مجال الدين في السؤال الأخير. وهذا مما لا شك فيه يشير إلى سيطرة فكرية للجانب المادي على أصولك العلمية. 


السؤال الثالث: ماذا عن تطوّر الإنسان وآيات القرأن؟
الجواب: بما أن التطوّر حقيقة فيجب فهم القرآن في ضوء هذه الحقائق العلمية ومنها قصة الخلق وبالتالي لا يجب فهم الآيات بنصها الحرفي، وأيضاً أننا لا يمكننا استثناء الطبيعة الإنسانية في الخلق لأن الإنسان نتاج للتطوّر. يمكننا فهم الخلق في ضوء التطوّر كون التطوّر جزء من خطة الله، وطبعاً قبول التطوّر هو تواضع، بأمر القرآن لنا أن نتواضع، حيث يجب من باب التواضع قبول الأصل المشترك مع الشمبانزي. 




التعقيب: أقول أن هذا كلام جميل يتسق 100% مع الخلفية التطوّرية، لكن، وأشدد على كلمة لكن، وبالرغم من جودة الفكرة المعروضة واتساقها مع فرضياتها، فقضيتنا مع التطوّر هي قضية علمية فكرية معرفية بالمقام الأول. وبالتالي أستطيع مصادرة مفهوم معيّن: إن كان التطوّر يتعارض مع القرآن، فليذهب التطوّر في داهية، لكن لا يمنع هذا أن أستفاد منه في حياتي. فالتطوّر مثل عملية التخمير، حيث ناتج العملية بعد مدة "مٌسكِر" ولكن إن صبرنا أكثر ينتج لدينا أمور مفيدة أخرى. لماذا لا يكون التطوّر في أصله فكرة فيها إشكال ولكنها ولحسن الحظ مفيدة. والنقطة الأهم. هل كل ما هو منطقي صحيح؟ يا دكتورة أنت مسؤولة أمام الله عن كلامك، وصدقيني لا خلاف في طريقة خلق الله، لأن كلامي وكلامك سيبقى مجرد تخمينات وفق قوله تعالى:


وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا {50} مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا {51} ----- سورة الكهف


فسبحان الله الذي توافقت آيته في خلق آدم مع آيته في جهلنا في كيفية الخلق. فمهما ظننتي من يقين تبقى حقيقة جلية أن الله هو الخالق، وهو ما تقرين به، ولكن باختصار الأدلة التي نراها تتسق مع الخلق المستقل لا التطوّر برأيي. 


السؤال الأخير: من هو آدم؟
الجواب: نحن لا نعلم بكل تأكيد وهي لا تعلم أيضاً، وبرأيها الشخصي ان آدم مجرد تمثيل  للإنسانية في القرآن. وأن مجال البحث العلمي مفتوح لفهم كيفية خلق آدم وفق آيات القرآن الكريم. ولكن كعالمة تقول أن آدم تطوّر مثل باقي الكائنات. 



التعقيب: سيدتي إن كان منهجك لا يسمح لك بتكوين "عِلم" فإن منهجنا يمكنه السماح لنا بتكوين علم لأننا نقول أن الله على كل شيء قدير، وبالتالي فقضية آدم بالنسبة لله لن يوقفها حتى مشكلة عنق الزجاجة مثلاً، أو التشابه بيننا وبين الكائنات الأخرى. نعم إن مجال البحث العلمي مفتوح كاملاً لفهم كيف خُلِق آدم خلقاً مباشراً مثلاً، أما آدم المتطوّر من سلالة من القردة، فهذا لحد الآن بعيد كل البعد عن التحقق لمشاكل علمية وعملية. أنا لا أعلم حقيقةً كيف يمكن لشخص أن يعتبر رأي العلم رأي قاطع، لأن العلم قائم على الشك... نعم إن سبب الثقة بالعلم كونه يعمل، وليس كونه "صادق" بالضرورة.




كلمة ختامية

لكن من هم الذين يقولون بصدق المنهج العلمي بالمطلق؟ هم باختصار أتباع المنهج المادي التجريبي، الذين يضعون مرتبة العلم في مرتبة القداسة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العلم هو "أداة" ووسيلة وليس "غاية" في نفسه. بالتالي فمنهجك يحتّم عليك باختصار غياب الإمكانية الوصول إلى جواب ضمناً، فكيف تقولين أن التطوّر حقيقة؟ بل كيف يمكن لشخص أن يتناول النص الديني وإخراجه من وضوحه وبلاغته، بتأويله بطريقة فيها إجحاف برأيي، دون أن يعتبر هذا الأمر اجتهاداً شخصياً. لن أقول إني أحتكر التفسير لنفسي، ولن أقول أن جماعة التطوّر الموجه أخطأوا بالمطلق، لكني أقول أن منهجيتهم فيها خلل من الأساس العلمي للقضية. بمعنى أنهم نظروا للتطوّر نظرةً رفعته إلى مرتبة اليقين الديني وشعروا بتناقض النص مع النتائج العلمية، ولم ينظروا أصلاً لأصل المشكلة العلمية. نعم، فالنظرية التطورية "عقلياً" ممكنة لا ممتنعة، لكن ليس كل ما يخضع للمنطق يمكن تطبيقه في الواقع، فالقضية تذكرني بخيالات الشاعر من جبل الشوكولاته، الذي قد ينهار تحت وزنه بسهولة... أنا أطالب من المؤمنين بالتطوّر كونهم أتباع العلم، كما يزعمون، أن يتحلوا بأخلاق العلماء الحق، ويتنازلون عن لهجة اليقين التي ينتقدون بها التيارات الفكرية الأخرى. 

في الختام أعتذر على الأطالة وأشكر للجميع حسن قرائتهم وصبرهم. 

دمتم بوِد.