الاثنين، 29 يونيو 2015

العكس هو الطبيعي

بسم الله الرحمن الرحيم

ينشأ الإنسان منذ طفولته على نُظُم مختلفة ومتنوعة تشكّل وعيه وتقوده خلال مسارات حياته.

تتحول تلك النظُم إلى معتقدات محورية يحكم بها على العالم، فتلك المعتقدات حاكمة لا محكومة، ولا يرى العالم إلا من خلالها. 

لكن ماذا إن قمنا في يوم من الأيام بالتشكيك في هذه المعتقدات المحورية؟ 

الإسلام نموذجاً؟ 

لو قلت لك ما هو تعريف المسلم على المستوى الاعتقادي ستجيبني ببساطة أنه من التزم بأركان الإسلام والإيمان، فتلك الأعمدة هن المشكلات لأسس اعتقاد أي مسلم. وطبعاً تعتبر الحالة الطبيعية هي أن يؤمن بها الفرد المسلم. 

ومن هنا أنطلق لتكوين مسألة مهمة: هل ذلك الاعتقاد موروث ضمن تلك المعتقدات المحورية التي تشكل الوعي عن طريق المجتمع والبيئة التربوية؟ أم أن ذلك الاعتقاد تم تبنيه من قبل (س) من الناس بعد اطلاعه على (ص) و (ع) من الأفكار؟ 

ومن هنا أنطلق: أنا لا أجد أي سبب يدفعني لاعتبار أن المسلم هو الحالة الطبيعية، بل الكافر هو الحالة الطبيعية. فلماذا نؤمن؟ لماذا نتوقع من المقابل أن يصوم وأن يحج وأن يتزوج وفق الشريعة؟ لماذا نتوقع أصلاً من المقابل أن يكون مسلماً ملتزماً؟ 

ما الدليل على أن الإلتزام هو الطبيعي والصحيح؟ 

في الديناميكا الحرارية تسعى جميع النظم إلى الحد الأدنى من الطاقة (ما يقابلها المسؤؤولية في مجتمعنا) وإلى الحد الأقصى من الحرية (غياب القيود في مجتمعنا)، فلماذا يختلف البشر عن تلك الصورة؟ لماذا يثور الإنسان ضد الطبيعة ويخلق ضوابط دينية خيالية لا يمكن رؤيتها إلا عقلاً؟ 

يبقى سؤال نشوء النظم الدينية محيراً عندي، فكونها ضرورة آنذاك لا يبرر نشوءها، لأن حتى تلك الضرورة لا يوجد عليها دليل.


الأخلاق نموذجاً

ننتقل الآن إلى الأخلاق، فبالرغم من الصراع السائد حول وجود الأخلاق، حيث يرى البعض أنها ميتافيزيقية، والبعض يراها وهماً. رؤيتي للأخلاق ليست ميتافيزيقية ولا وهمية، بل هي طبيعة خاصة بالنظم الديناميكية المتفاعلة، فهي لا تنشأ قبل النظام ولا بعده، بل تنشأ مع تفاعله، فهي موجودة ضمن برنامج النظام منتظرة فرصة التفعيل المناسبة كي تظهر، وبهذا تكون الأخلاق ميتافيزيقية وهمية بدلالة النظرة لطبيعة الوجود. 

يفترض البعض أن الصدق، احترام الاختلاف، عدم التعدي، وأمور كثيرة أخرى هن الأساس والطبيعي. وطبعاً، فأنا أخالفهم، أخالفهم لأني أرى سير العالم نحو النظام ونشوء النظام نفسه شيء مخالف للطبيعة السائرة نحو الانحلال.

قد يأتي ويجيب أحدهم فيقول: إن نشوء الأنظمة هو حالة مؤقتة في نظام يسير نحو الفوضى، وهو شيء متوقع، وهذا ما يحدث في الطبيعة دوماً، فيأتي سؤالي: لماذا هناك نشوء للأنظمة أصلاً؟ 

طبعاً تساؤلاتي لا تتكلم عن الكيف، بل عن الغاية، ولهذا فالأجوبة عليها لا يمكن أن تكون بمزيد من الوصف.

الخيار الصعب

إن الإيجابية في الحياة والالتزام بقانون معيّن دائماً يعد الخيار الصعب في التقدم، لأن هذا يعاكس الطبيعة البشرية التي تسعى للحد الأدنى من المسؤولية والحد الأقصى من غياب القيود. إن اتخاذ قرار يغيّر الروح والعقل باتجاه إيجابي دائماً ما يعد قراراً صعباً. ولهذا فإننا نجد أن القلة تتحول من مجرد شوكة في مرعى إلى زهرة تنعم على المرعى. 

خذ على سبيل المثال التعافي من السلوك الإدماني سواء أكان تعاطي المخدرات أم الكحول أم السجائر، فكم من الصعوبة تحتاج حتى تقود جسدك نحو الاتجاه الصحي وكم من الدعم تحتاج؟ وكم من الطاقة والقوة تحتاج للبقاء على المسار المستقيم، فلا تضعف وتعود إلى مسارك السابق؟ 

مثال آخر، كم تحتاج من القوة لتنجو من الفكر المتطرف وترى العالم بعيون جديدة بعيدة عن الصناديق الفكرية المغلقة؟ كم من القوة تحتاج لمواجهة ذلك التطرف وكم من الحكمة نحتاج للتمييز بين تلك المسالك الضيقة واختيار المؤدي منها إلى انفراج؟


الجري مع التيار أسلس، وقد يكون أحلى أحياناً

نعم، فمن الأسهل ترك نفسي تجري مع النهر يأخذك دون أن تبذل جهد معه في جريانه، فهو يأخذك إلى التدين الدوجماطيقي ويأخذك إلى السلوك الإدماني على نفس الدرجة. نعم التيار يأخذك لقتل الناس أو إلى التصرف بطريقة لا يمكن لعقلك الآن تصورها. 

برأيي، لا يزال عند الناس مقاومة تجاه بعض السلوكيات والأفكار، وهذا ما يجعل الجريان الكلي مع التيار ليس الحالة العامة (ولله الحمد). 


كن فارس حياتك ، كن مختلفاً 

يقول المفكر الراحل المرحوم د. مصطفى محمود:


جسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتلجمه وتستخدمه لغرضك، وليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه وأن يقودك هو لشهواته

وأنا أزعم أن نفس الكلام ينطبق على العقل والأفكار والأخلاق والمواقف. وللتنبيه، فإن الثورة على الموروثات قد لا تؤدي إلى النمو، بل ببساطة تؤدي إلى السباحة في تيار آخر كلياً، تيار يرى الناس بعين مطلقة دون أن يدرك أبعاد الاختلاف، فيصف البعض بالواهمين والبعض الآخر بالجاهلين. 

وحسب تنظيري، فإن من الطبيعي جداً أن تجد شخصاً يختار الوهم أو الجهل، أو حتى القفز إلى تيار الانحلال الفكري أو الأخلاقي لأن هذا أسهل وأسلس، وقد يكون أحلى. 

كن مختلفاُ لا تكن مخالفاً، فالفرق شاسع بين الأمرين. كن الفارس ولا تكن السائس فقط. 


التواضع صفة المؤمن

من أهم صفات المؤمن عندي التواضع، فالتواضع يجعله يحتوي الكافر والمخالف في قلبه مع ادراكه خطأ المناهج عندهما احياناً وإدراكه أيضاً محدوديته الذاتية وقصور نظامه المعرفي عن رؤية الآخر قدر الإمكان. 

أيها المؤمن، كن متواضعاً ترى بعين الله! لا تسألني كيف، لأن هذا أمرٌ يُعاش. 


وعذراً على الإطالة

ودمتم بود.