السبت، 11 يوليو 2015

حول الجنة والنار

بسم الله الرحمن الرحيم 

يعد مفهوم الجنة والنار مفهوم محوري في كثير من الأديان، وهو أيضاً مفهوم تدور حوله النزاعات الفكرية لأسباب كثيرة

لربما كان هذا المفهوم ولا يزال من أكثر المفاهيم التي تعترض طريق العقل الباحث كون الحياة الدنيا وسلوك الفرد فيها يعد مفتاح لذلك المفهوم 

قراءة ممتعة 


يدور مفهوم الجنة والنار حول عدة محاور تختلف باختلاف الاطار الفكري الذي ينظر إلى ذلك المفهوم، ومثل أي موضوع، فإن مفهوم الجنة والنار يتراوح بين أقصى اليمين المثبت لحقيقة مادية الجنة والنار وأنهما مكانان أبديان، وبين أقصى اليسار المنكر أصلاً لمفهوم الجنة والنار بالمطلق حيث يعتبره مجرد وهم اخترعه دعاة الأديان. 

وليس هدفي اليوم الرد على تلك الأطراف المتنازعة بقدر ما أريد أن أشرح الآراء التي وقفت عليها بنفسي إما عن طريق القراءة أو الاستماع لكلام البعض، وأوضح كيفية اتفاق المفهوم الإسلامي في عمقه مع بعض المفاهيم التي تبدو في خارجها غير اسلامية أبداً.



وقبل أن أتعمق في الكلام قليلاً أحب أن أقول أن الجنة والنار بالنسبة لي أمور غيبية، وبالتالي يمكن النظر فيهما والتأويل قليلاً ومحاولة اعادة انتاج الفهم بما يتلائم وروح العقيدة من جهة ومن تطور الفكر الإنساني من جهة أخرى. فأنا لست من دعاة تعليق المفاهيم الغيبية وتركها غير ملموسة، ولكن من دعاة التسليم لها مع محاولة استيعابها عبر الزمن من خلال النمو الفكري والمعرفي والروحي.


ولو بدأنا من أقصى اليسار المنكر للجنة والنار، سنجد بجانبه باتجاه اليمين مفهوماً لا ينكر الجنة والنار بشكل مطلق، بل يجعلها مفاهيم خاصة بالدنيا. فالجنة هي جنتك في الدنيا وجهنم هي جهنمك في الدنيا. بمعنى آخر، أنت تصنع جنتك ونارك في الدنيا من خلال اعمالك وتاريخك وتراثك. الذِكْرى الطيبة جنة، والذِكْرى السيئة جهنم. أين يمكن أن نجد شيئاً مقارباً لهذا المفهوم في الإسلام؟ 

يمكننا أن نجد هذا المفهوم في استمرارية الحسنات عن طريق صدقة جارية أو العلم المنتفع به، أو الولد الصالح الداعي لأهله بالمغفرة والرحمة. وبالمقابل فإن من يورث الضلالة تستمر سيئاته حتى بعد موته. وطبعاً قد يعترض معترض ويقول أن الكلام المطروح يؤدي للجنة والنار ، وليس لما يريد ذلك المنكر، أقول: نحن الآن لا نتكلم عن الوهم، بل عن امكانية وجود مفاهيم تقرب وجهات النظر. 

نحن كمسلمين نستمر بالإيمان بوجود أثر للشخص الميت عن طريق أعماله، وبهذا فإن حقيقته الأخروية ومفهوم البشر عنه يتشكل بأعماله التي خلفها وراءه. فهل لدى المنكر للجنة والنار مشكلة مع هذا المفهوم الإسلامي؟ هو فقط قام بزحزحة الجنة والنار من خانة الغيب وافترض أنها تتعلق بحياتنا وتاريخنا لا أكثر، وهذا فهم اقصائي مُشكِل. إذن نعود لخلاصتنا أن من يقول بأن الجنة والنار في الدنيا حسب العمل والتاريخ، نجد أن لديه جزء ينطبق مع زاوية إسلامية واضحة، أن الجنة والنار امتداد لأعمال الإنسان في الدنيا واستمرار لما قام بتوريثه. 



ننطلق لمفهوم آخر ينكر الجنة والنار ويجعلهما حالة وجودية في الدنيا أيضاً، فذلك المفهوم يجعل الحب مثلاً جنة والكراهية نار، وبالتالي فالجنة والنار ينبعان من داخلك. كل حسب رغبته. مشكلة أصحاب ذلك المفهوم أنهم يصادرون رأي الآخر بجعل من يرغب بما في الجنة من متع حسية إنما هو شخص يستمر بعدم فهم الجنة! بالتالي فإن هذا المفهوم قام بتحويل الجنة والنار من مفاهيم غيبية وجرها للمفهوم الدنيوي. وليس هدفنا تخطئته ولكن هدفنا هو إيجاد مفهوم مقارب في الثقافة الإسلامية لكلامه. 

توجد لدينا نظرية تدعى بنظرية تجسم الأعمال، أي أن الأعمال تأخذ حقيقتها المادية في الآخرة، فالزكاة والصلاة والصيام تتحول لمراتب وجودية في الجنة، بينما الكذب والسرقة والاعتداء والكفر تتحول إلى مراتب وجودية في النار. والسؤال كيف ينطبق هذان المفهومان؟ ينطبقان برأيي من خلال جعل الجنة والنار مرتبطة بالداخل الإنساني وحقيقة افعاله ونيته وبعده عن الطمع والجشع والترفع عن الماديات الدنيوية. 

وهكذا نجد أن المفاهيم المنكرة للجنة والنار ليست إلا جزء بسيط من المنظومة الفكرية الدينية الإسلامية وبالتالي فنحن نستطيع استيعاب تلك المفاهيم وتوضيح مناطق المصادرة فيها وكيف انها جزئياً تنتمي إلى الفكر الإسلامي من بعض الزوايا. 

والحمد لله رب العالمين.