الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

لماذا لا يفهمون؟

بسم الله الرحمن الرحيم


ليست القضية التي أريد طرحها من القضايا السلسة والمقبولة في المجتمع الإسلامي ذو الطابع التقديسي النقلي والمتمسك بالموروث دون أدنى إعمال للعقل الناقد فيما يملك من آراء وأفكار.

في الحقيقة، تقوم فكرتي على أسس بينها بعض المفكرين أمثال يحيى محمد والدكتور نصر حامد أبو زيد. ولربما لو لخصت لكم الرأي ببعض السطور، كان لك عوناً في إيصال الفكرة. ولا أخفيكم أن ما يلي من السطور لن يكون ذو طعم حلو ولا سلاسة في الهضم على البعض (وربما الكثير). ولكن الله المستعان وهو نعم المولى ونعم النصير. 



تبدأ نظرتي للأمور بعد بحث وقراءة بجعل الفقه الإسلامي عبارة عن منتج ثقافي فكري تاريخي يتبع الضرورة التاريخية لفهم النصوص، وهو أيضاً منتج علمي يخضع لبعض القبليات الفكرية الفلسفية وبعض التأصيل العقلي بلا شك. وبهذا فأنا أراه محدود وقاصر بالضرورة لأنه محصور بالضرورة بالقصور المعرفي المرتبط بالأدوات المعرفية المستخدمة في إنتاج مفاهيمه. 

إن ارتباط الفقه بالمقدس جعله يرتدي ثياب القداسة، فكل فكرة وكل مفهوم تملك علاقة وارتباط مباشر بقال الله وقال الرسول. وطبعاً فإن تأثير التاريخ وتأسيس عصمة الرسول المطلقة وارتباط رأي الفقه بالرسول كله جعل العقل الباطن يقبل الفقه على أنه آلية مقدسة.

لكني هنا سأوضح كيف يخضع الفقه لآليات متعددة تتمحور حول: المنطوق اللغوي، ارتباط الفكرة بالظروف المحيطة بأسباب نزول الحكم في زمن الرسول، والأهم من هذا النزعة السياسية. وكنموذج لهذه الفكرة سأطرح حكم الخُمس. 

إن الخُمس من الاستحصالات المالية التي تقوم الشريعة الإسلامية بفرضها في أموال المسلمين، ومن يتفحص المسألة يجد بوناً شاسعاً بين الشيعة الإمامية وبين عموم السنة في الخمس. وتباعاً سنرى كيف استدل السنة على الخمس ووجوبه وكيفية أداءه وكيف استدل الشيعة بالمقابل.


الخُمس وأدلته الشرعية لدى الشيعة والسنة


الدليل القرآني:


 الآية ٤١ مِن سورة الأنفال:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) .


الدليل الحديثي عند السنة:


صحيح البخاري       » كتاب مواقيت الصلاة            » باب قول الله تعالى منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين

500 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عباد هو ابن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا من هذا الحي من ربيعة ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا فقال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله ثم فسرها لهم شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا إلي خمس ما غنمتم [ ص: 196 ] وأنهى عن الدباء والحنتم والمقير والنقير


صحيح البخاري     » كتاب الزكاة        » باب في الركاز الخمس

1428 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 546 ] قال العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس



الدليل الحديثي عند الشيعة:


عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ : ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال ـ عليه السَّلام ـ : «من أكل من مال اليتيم درهماً و نحن اليتيم».

و عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال».

وعن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ : «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا».

وعن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: «يا ربّ اشتريته بمالي» حتّى يأذن له أهل الخمس».



في ما يجب الخمس:

  1. الغنائم المأخوذة مِن دار الحرب، فإنّ فيها الخُمس باتفاق الجميع.
  2. المعدن، وهو كل ما خرج مِن الأرض، وكان مِن غير جنسها ممّا له قيمة، كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والزئبق والنفط والكبريت، وما إلى ذلكقال الإمامية: يجب إخراج الخُمس (٢٠ بالمئة) مِن المعدن إذا بلغ ثمنه نصاب الذهب، وهو عشرون ديناراً، أو نصاب الفضة، وهو مئتا درهم، ولا خُمس فيما دون ذلكوقال الحنفية: لا يُعتبر النصاب في المعدن، بل يجب الخُمس في قليله وكثيرهوقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا كان المعدن دون النصاب فلا شيء فيه، وإذا بلغ النصاب ففيه الزكاة ربع العشر، أي اثنان ونصف بالمئة.
  3. الركاز وهو المال المدفون تحت الارض، وقد باد أهله، ولم يعرف لهم من اثر، كالآثار التي تنقب عنها اللجان المختصة لهذه الغايةقال الأربعة: يجب الخمس في الركاز، ولا يعتبر فيه النصاب، فقليله وكثيره سواء في وجوب الخمسوقال الإمامية: الركاز كالمعدن في وجوب الخُمس واعتبار النصاب.
  4. قال الإمامية: ما يخرج مِن البحر بالغوص كاللؤلؤ والمرجان فيه الخُمس إذا بلغت قيمته ديناراً فصاعداً بَعد إخراج التكاليفولا شيء فيه عند المذاهب الأربعة بالغاً ما بلغ.
  5. قال الإمامية: يجب الخُمس في كل ما يفضل عن مؤونة سنة الإنسان وعياله مهما كانت مهنته، ومِن أي نحو حصلت فائدته، سواء أكانت مِن التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو الوظيفة أو العمل اليومي أو مِن الأملاك أو مِن الهبة وغيرها، ولو زاد عن مؤونة سنته قرش واحد أو ما يعادله فعليه أن يخرج خمسه.
  6. قال الإمامية: إذا أصاب الإنسان مالاً مِن الحرام، ثمّ اختلط بالمال الحلال، ولَم يعلم قدر الحرام ولا مَن هو صاحبه، فعليه أن يُخرج مِن خُمس ماله كله في سبيل الله، فإذا فعل حل له الباقي، سواء أكان الحرام أقلّ مِن الخُمس أو أكثر، أمّا إذا علم الحرام بعينه فعليه أن يرده بالذات. وإذا جهل عين الحرام، وعلم مقداره ومبلغه فعليه إخراج المبلغ غير منقوص، ولو استغرق جميع المال. وإذا علم الأشخاص الذين اختلس منهم، ولَم يعلم مبلغ حقهم ومقداره فعليه أن يرضيهم بطريق المصالحة والمسامحة. وبكلمة: إن أخراج خُمس جميع المال إنّما يجدي مع الجهل بمقدار المال الحران وبصاحبه.
  7. قال الإمامية: إذا اشترى الذمي أرضاً من مسلم وجب على الذمي بالذات ان يخرج خمسها.

http://alhassanain.org/arabic/?com=book&id=299


أثر اللغة في إصدار الحكم الفقهي

ينتقل الخلاف لمستوى معرفي آخر أعلى من غياب يقينية صحة الأحاديث بالمطلق للمستوى اللغوي حيث يتراشق الطرفان الاتهامات في تحريف المعنى اللغوي. حيث يقول الشيعة أن السنة قد حصروا الخمس في المغانم الحربية بينما كلمة مغنم تعود لكل ما يدخل من مال للإنسان. 


- عرفها الحنفية: هي اسم لما يؤخذ من الكفار على وجه القهر والغلبة
- عرفها الشافعية: ما أُخذ من الكفار بالقتال و إيجاف الخيل والركاب والإيجاف هو: الإعمال، وقيل الإسراع
- عرفها ابن قدامة: ما أخذ منهم قهرا بالقتال.واشتقاقها من الغنم، وهو الفائدة


http://www.kantakji.com/economics/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A1.aspx


غنِيمَةٌ : 
جمع : غَنَائِمُ . [ غ ن م ].
1 . :- ظَفِرَ بِغَنِيمَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي الحُسْبَانِ :- : كُلُّ مَا يُظْفَرُ بِهِ .
2 . :- رَجَعُوا مِنَ الحَرْبِ بِغَنَائِمَ :-: مَا يُؤْخَذُ وَيُسْتَوْلَى عَلَيْهِ فِي مَعْرَكَةٍ حَرْبِيَّةٍ .
3 . :- هِيَ غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ :- : طَيِّبَةٌ وَسَهْلَةٌ .
4 . :- رَضِيَ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِاْلإِيَابِ :- ( مثل ) : اِكْتَفَى بِالعَوْدَةِ سَالِماً .

الغنيمة عند الشيعة: 
إن دليل وجوب الخمس كما تعلم هو قوله تعالى: (( واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى )) (الأنفال:41). والغنيمة هنا مطلق ما يغنمه المرء وما يكسبه من تجارة أو هبة أو بسبب الحرب الذي من خلاله يغنم على ممتلكات العدو, والفيء هو الغنيمة من العدو دون حرب . هذا معنى الغنيمة . فالغنيمة بمعنى الغنم والظفر والحصول على شيء - وقد أكد هذا المعنى الراغب الاصفهاني - وهو من علماء أهل السنة - بأن كل ما يحصل عليه من كسب ومن غيره في حرب أو غير حرب فهو غنم فقال : ((والغنم : إصابته والظفر به, ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدي وغيرهم .
قال تعالى: (( واعلموا إنما غنمتم من شيء ))(( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً )) (الأنفال:69) والمغنم : ما يغنم وجمعه مغانم قال: (( فعند الله مغانم كثيرةٌ )) (النساء:94). (مفردات ألفاظ القرآن للراغب الاصفهاني : 615) .
فالغنيمة, هو مطلق حصول الإنسان على شيء من حرب أو غير حرب, هذا ما يوافق القرآن, وأهل اللسان, وما خالفه لا يلتفت إليه ولا يسمع إلى قوله . فالذين حصروا الخمس في غنيمة الحرب خالفوا ما عليه إطلاق المعنى وحصروه في غنائم الحرب من دون دليل, بل خلاف القرآن و اجتهادٌ مقابل النص .
ثم إن الدليل مع من قال بإطلاق اللفظ على معنى الغنائم جميعاً في الحرب أو التجارة أو غيرها, فلا يحتاج إلى دليل لإثبات ما ذهب إليه, وسبب من ضيّق دائرة نطاق اللفظ ليحصرها على مورد واحد من موارد الغنيمة كانت دوافعه سياسية معروفة. 

http://www.aqaed.com/faq/823/



الشيعة ونظرية المؤامرة:
فأهل البيت (عليهم السلام) ومن تبعهم كانوا يشكلون قوة خطرف دائم على النظام, وعلماء البلاط لا يفتون إلاّ بما يضمن مصالح النظام ودفع أي احتمال خطر يحيط بهم الآن أو مستقبلاً . 
ولغرض إضعاف القوة الهاشمية الناشطة آنذاك ولغرض فرض حصار اقتصادي يوجب شل حركة الهاشميين أوّلوا الغنيمة إلى كل ما يكسبه المقاتل في الحرب وألغوا جميع معانيها الأخرى, وبذلك عطّلوا عاملاً قوياً ومهماً في تنشيط الهاشميين وتفعيل تحركاتهم . 

http://www.aqaed.com/faq/823/


وسبب من ضيّق دائرة نطاق اللفظ ليحصرها على مورد واحد من موارد الغنيمة ، آانت دوافعه
سياسية معروفة .
فأهل البيت "عليهم السلام" ومن تبعهم آانوا يشكلون قوة خطرٍ دائم على النظام ، وعلماء البلاط لا يفتون إلاّ بما يضمن
مصالح النظام ودفع أي احتمال خطر يحيط بهم الآن أو مستقبلاً .
ولغرض إضعاف القوة الهاشمية الناشطة آنذاك ، ولغرض فرض حصارٍ اقتصادي يوجب شل حرآة الهاشميين ، أوّلوا
الغنيمة إلى آل ما يكسبه المقاتل في الحرب ، وألغوا جميع معانيها الأخرى ، وبذلك عطّلوا عاملاً قوياً ومهماً في تنشيط
الهاشميين وتفعيل تحرآاتهم . هذا هو سبب حصر اللفظ على معنى واحد لا يستقيم.
http://www.al-baldawi.org/abwab/foroaa%20aldean/alkhumis.pdf


بعد كل هذا الكلام، توصلت لخلاصة: 
لا يمكن إثبات صحة الموقف الشيعي من السنة، ولا موقف السني من الشيعة، لأن السنة يرون الخمس من زواية مكاسب حربية، بينما يراه الشيعة حق لآل البيت، وقد تبين أثر اللغة في فهم النص القرآني وافتراق أئمة المذاهب الفقهية بشكل شنيع حول الخمس بين السنة والشيعة. ورأينا دخول نظرية المؤامرة والتنظير لمظلومية الشيعة في دعم قضية الخمس. 


نتيجة: 

من كل ما أعلاه (ومن كثير غيره) توصلت إلى أن الفقه منتج ثقافي يتبع فهم الفقيه وتشكيله للدليل بل وحتى قدرته على استنباط معاني كثيرة بدليل أو بدون دليل، كما أنه يعتمد على جهة النظر، والأهم من هذا كله: يعتمد على النتيجة التي يريد أن يصلها! 

وهذا الكلام كله في قضية مثل الخمس التي لها أصل قرآني، فكيف بقضايا لا أصل قرآني لها؟ وكيف يمكننا أن نرى أثر اللغة والبيئة والنقل؟ قد يتسائل متسائل حول أثر البيئة أعلاه؟ أقول إن أثر الصراع الفكري بين السنة والشيعة ظاهر في الافتراق في نتائج الفقه، وكيف تم تعديل المعنى اللغوي ومصادرته من قبل الطرفين. 

نحن يجب أن ننظر للفقه بعين ناقدة أكثر، لكي ننتج فقه جديد موحد وواضح قادر على استيعاب الخلافات، فقه  لا شيعي ولا سني. فقه يحقق مقاصد القرآن والمصالح التي نزل بها. وليس فقهاً يستورد المفاهيم القديمة كما هي دون تعديل..


إذن لماذا لا يفهمون؟ ببساطة: لأن عقولهم متعلقة بإطار فكري ومنظومة عمرها 1000 عام ولا يستطيعون الخروج من سلطان هذه المنظومة دون كسر كثير من الأمور والمعتقدات.. 

تحديث: الخمس الشيعي بحسب رأي كمال الحيدري لا أصل قرآني له لأن الأصل في المغانم وليس في كل مكسب:
https://www.youtube.com/watch?v=jXPNHPG0Sv0

والله من وراء القصد.