الأحد، 23 أغسطس 2015

الانتخاب الطبيعي ليس "عملية التصميم في الطبيعة"


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد واجه تشارلز داروين مهمة عسيرة بشكل لا يوصف في توظيف تفسيره الطبيعي. لقد احتاج إلى مصدر ذكاء – بديل لله – لشرح كيف أن تنوع الحياة يمكنه أن يُظهِر خصائص لا تعد ولا تحصى والتي تبدو بكل وضوح وكأنها تم اختيارها بواسطة ذكاء لغاية محددة. كان تفسيره الذكي: الانتخاب الطبيعي.


بعد 150 عاماً، لا يزال الانتخاب الطبيعي يقف كبديل يُعتمد عليه لعملية الخلق الخارقة للطبيعة. ولكن كي يظهر شخص ما لماذا لا يمكن لمفهوم داروين شرح أي شيء حول أصل التصميم المعقد يتطلب فهماً لسبب كون الكلمتين "انتخاب" و "طبيعي" تمتلكان نفوذاً ذا نطاق واسع.




جعل الانتخاب الطبيعي يبدو كالهندسة البشرية



تأمل لماذا يتم ربط الذكاء طبيعيا بالتصميم. أولاً، يستخدم المهندسون عملية ترصد الحاجة. بعد ذلك يطورون خطة تعتمد بشكل رئيس على انتخاب أفضل الممكن من القطع والإجراءات التي تتوافق مع خصائص محددة للحاجة. والقدرة الخاصة لاتخاذ القرار، الذكاء، حيوية للـ"رؤية" و "الانتخاب". والجميع يمكن أن يلاحظوا أن الذكاء موجود فقط في كائنات معينة، بشكل رئيسي في الإنسان.

لقد أصبحت كلمة "انتخاب" المفتاح لفهم ربط داروين بين عالم الكائنات الذكي، وبين الطبيعة غير المفكرة. وضربة العبقرية لمن يرفضون الأصول الخارقة للطبيعة للحياة كانت أخذ الظواهر العشوائية لإمكانية ملائمة صفات الكائنات الحية لبيئتها أم لا ثم دعاها  داروين عملية "الانتخاب الطبيعي". ومن هذا، استنبط داروين  فكرة أن الطبيعة يمكن أن تقوم بالاختيار، وهذا سمح بالخلاصة المنطقية أن الطبيعة تمتلك بصورة ما ذكاءً ذاتياً. وهكذا، فإن داروين ادخل بنجاح خاصية الذكاء لعالم الجماد – وهي مَنْقَبة ظنها البعض مستحيلة. كيف نجح بإدخال هكذا مفهوم غير المتوقع ومعارض للحدس؟



بدأ داروين كتابه "أصل الأنواع" بالمشاهدة البسيطة ألا وهي: أن الأولاد يشبهون جداً آبائهم، ولكن ليسوا مثلهم بالضبط. وأن الفروق بين الآباء والأبناء (أو بين الأخوة) مهمة لأن الطبيعة ممكن أن تقوم بتفضيل – "انتخاب" – اؤلئك الذين أمكن لهم فرص نجاة أكبر. واذا ما تراكمت الفروقات عبر الزمن، فإن الأولاد المستقبليون يمكن أن يكونوا مختلفين جداً عن أجدادهم – مشاهدةٌ متألقة وبسيطة، ومع ذلك منطقية، والتي روجت نوعاً من الذكاء في الطبيعة. وليس فقط ذكاءً بسيطاً: فقد تم تصوير الطبيعة على أنها مفكرة بطريقة ما – كإله مبدع احتياطي – والذي يختار دائماً أفضل الصفات ويحفظهم لبناء الأشياء.

في الحقيقة، لا يجب أن يُستخف بقدرة هذا المفهوم على أسر العقول. فقد تم تدريس هذا المفهوم في أغلب المدارس على أنه حقيقة مطلقة. وفهم هذا يعطي طريقة فكرية لبدء حوار بالقول: "امتلك داروين أكثر فكرة مبدعة بشكل لا يصدق لشرح التصميم بصورة طبيعية. ولكن مثل جميع الأفكار، فإن فكرته لم تكن مثالية – فهي لا تشرح التصميم."



"ولكن لماذا لا يمكنها شرح التصميم؟" يمكن النظر إلى الانتخاب الطبيعي كمشاهدة حول التنوع الجيني الذي يسمح للاختلافات بالبقاء. ولكن عندما يتم استخدامه لشرح أصل التصميم، يصبح تفسيراً أعرجاً، تفسيراً يدعي ادعاءات كبيرة لا يمكن دعمها. لماذا؟ لأن الانتخاب الذي يصوره داروين هو تشويه للانتخاب في عمليات التصميم الحقيقية.




الطبيعة غير الذكية تفشل كعملية تصميم


في عمليات التصميم، يحمل المهندسون العبء لعمل ما يمكنهم عمله – اختيار عناصر لخطتهم والتي تلائم المعايير لمقابلة الاحتياج. والخطة التي تلائم المعايير تعمل على نجاة وبقاء العملية. المهندسون فاعِلون والاحتياج لا فاعل. لا يمكن عرض العملية من منظور الاحتياج – الذي اختار الخصائص الحيوية للخطة. فالذكاء سيتم عزوه للكائنات غير الحية، والتي لا تأخذ مكاناً في عمليات التصميم البشرية. ولكن هذا بالضبط ما يفعله داروين مع الانتقاء الطبيعي، أداة الطبيعة في عملية التصميم. وهذا يسمح "بالخلاصة أن أولئك الأفراد المنتخبون تم انتخابهم للبقاء"، كما كتب التطوري المشهور من جامعة هارفرد، إيرنست ماير(1) Ernst Mayr. ولكن الطبيعة لا تملك ذكاء اتخاذ القرار.

في الطبيعة، يجب على الكائنات الحية فعل ما يمكنهم فعله فقط. يجب على الكائنات انتاج تنوعاً في الصفات – عبر عملية انتخاب في الحمض النووي الخاص بهم – والتي ستلائم الخصائص الحيوية ليعيشوا ضمن بيئاتهم. وإذا لم يولّد أي عضو في المجموعة صفات ملائمة، فإن المجموعة تسير باتجاه الانقراض. ولكن إن أنتج بعض أفراد المجموعة صفات ملائمة، فإنهم ينجون. فالمعلومات ضمن الحمض النووي وكيفية التعبير عن المعلومات تنسجم مع تفكير واختيار مهندس حقيقي. فالكائنات الحية فاعلة، بينما البيئات لا فاعلة.

لقد اساءت نظرية داروين لعملية التصميم، فهي تعرضها غالباً من منظار البيئة غير الفاعلة والتي تم تفويضها كذباً لانتقاء أفضل الصفات. وقد أجاد ماير Mayr توضيح هذه الفكرة المتنكرة: "إن عملية الانتقاء كانت لتمتلك هدفاً حقيقياً، ألا وهو تحديد أفضل أو أكثر نمط ظاهري phenotype ملائمةً للبيئة (2)." ولكن في الواقع، فالبيئة (أو الطبيعة) لا تختار أبداً أو تضع "أهدافاً حقيقية".



تعتمد حياة أو موت الكائنات الحية على قدرتها في انتاج معلومات من الحمض النووي الخاص بها (3) لإنتاج صفات معينة ملائمة للبيئة. ولهذا، فإن القدرة على انتاج "تنوعات مفيدة" (4) يجب أن تكون أصلاً موجودة في الكائن الحي. هذا هو سبب التصميم الذي يفشل الانتقاء الطبيعي في شرحه. وتصف النظرية باحتيال قوة التنويع للتغيرات خارج المخلوق بينما التنوع يعتمد بشكل منفرد على المتغيرات داخل المخلوق.



نظرية داروين تستخدم المنطق الدائري



ربما تسبب التغيرات الجينية فروقات في البقاء، ولكن هذا الأمر لا يمت بصلة لتصميم تلك الجينات. إن ما يتطلب شرحاً هنا هو أصل الآلة البيولوجية ذات القدرة على انتاج وحفظ وتمرير التغييرات في المقام الأول.

حول هذه النقطة، فإن نظرية داروين لا تعطي أي معرفة نافعة، زاعمةً أن "تصميم الطبيعة هو طبيعة" – وهو تفسير دائري ذاتي. ولهذا فإنه من المحتم أن يتم النظر للسبب والنتيجة كمتكافئين على حد السواء. ولا يمكن لأي منافح ومدافع عن التطور أن ينجو ويهرب من المنطق الدائري. ولهذا فإننا نرى أن المنطق الدائري المنتشر بينهم وهو "إن هذا الأمر موجود لأن الانتخاب الطبيعي قام بتفضيله" يعد مقنعاً جداً، ولكن يمكن الاحتجاج بإظهار أن سلطة تفسيرهم تقع أكثر في جانب قوة الإلزام أكثر منها في قوة التفسير.




إن نسب التصميم للانتخاب الطبيعي هو منطق دائري أيضاً – لكن على مستوى أكثر عمقاً – مما يجعله أصعب على الملاحظة. وهنا يكمن الجزء الدائري من المنطق: يُقال أن الطبيعة تحوي كل من البيئة والكائنات الحية. وبهذا، فإن المعلومات الذكية الموجودة في الكائنات الحية – المصدر الحقيقي للتصميم – يتم ضمها للطبيعة ومن ثم بذكاء يتم عزو الفضل للطبيعة. إن التفسير الكامل (خطوة بخطوة) لأصل هذه المعلومات تم تجاهله كلياً. وهكذا، فإن الطبيعة تملك قدرة ذاتية واضحة لاختيار وحفظ التنوع الجيني الخاص بها. وكما قال أحد التطوريون: "حقيقته ظاهرة" مع "قدرة ضخمة" تمثل "سلاحاً للشرح" (5). ومع هذا، فإن هذا "السـلاح" لا يرمي إلا طلقات فارغة، وبما أن التفسير العظيم لداروين بالكاد يبرر نفسه – وهو حقيقة أساسية بالنسبة للتطور، لكن شيء غير مقبول بالكلية في العلم.




جمع الأفكار مع بعضها البعض



يبقى فقط تفسيرين لأصل التصميم في الطبيعة: الذكاء فوق الطبيعي، أو الانتقاء الطبيعي. يدعي التطوريون أن التصميم الحقيقي المٌشاهَد في الطبيعة ظاهري فقط، بينما ذكاء اتخاذ القرار الظاهري في الطبيعة حقيقي. وكلا الجزمان باطلان.

في أفضل الحالات، فإن الانتقاء الطبيعي عبارة عن مشاهدة حول التنوعات الجينية والفروق في البقاء. وهو تفسير أعرج بالكامل للتصميم. في البداية، شوّه داروين عملية التصميم بشكل خاطئ عبر عزو القدرة على انتقاء الصفاة للطبيعة. في الواقع، القدرة على انتاج صفات هي خاصية للكائنات الحية والتي تمكنهم من التنوع، التكاثر، وملء البيئة. ثانياً، فقد فشل داروين لشرح كيف أتت قدرة الكائنات الحية على انتاج الصفات – المصدر المعلومات الحقيقي للتصميم -. هذه القدرة (أي إنتاج المعلومات) تم ادراجها ببساطة مع الطبيعة عبر "التفسير الدائري".




إن الشخص الباحث عن سبب طبيعي للتصميم، لا يزال عالقاً ومعتمداً على الطفرات العشوائية التي تبني المعلومات الجينية الضخمة والتي "تنبثق" عبر الزمن. كلمات سحرية والصدفة.

ولكن يبقى الله صامداً كأفضل تفسير للتصميم المدمج في الكائنات الحية. فالأمور غير المنظورة والمخفية والتي تُرى منذ خلق العالم، لا تُدرَك إلا بتأمل المصنوعات، ولا يدرك هذا إلا بقدرة الله وعلمه، فلا يبقى عُذر للناكرين.





المراجع


1. Mayr, E. 2001. What Evolution Is. New York: Basic Books 117.

2. Mayr, 118.

3. "الحمض النووي الخاص بها" يمكن أن يحتوي تنوعات في الجينات، التأشب recombination ، التطفر، انتقال الجينات العرضي، العوامل فوفق الجينية، وطرق أخرى يتنوع بها الحمض النووي.

4. "التنوعات المفدية" كانت وصفاً شائعاً خلال كتابات داروين

5. Waddington, C. 1960. Evolutionary Adaptations. In Yax, S., ed. The Evolution of Life. Chicago: University of Chicago Press, 385.