الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

سخرية المذاهب من بعضها

بسم الله الرحمن الرحيم

حسب المذهب الفكري الذي أمشي عليه، وهو مذهب صراع الأطر الفكرية، أجد كل يوم أدلة تثبت أن المذاهب وإن اختلفت ظاهراً فإنها تضمر درجات من التشابه غير المتماثل بصورة كاملة. وأقصد بهذه العبارة أن كلا طرفا النزاع يحملان في داخل أطرهما الفكرية نفس الاستعداد لتنمية الأفكار المتشابهة.
نعم، فالنتاج النهائي متباين ولكن في أسسه متشابه جداً، ولهذا كتبت ما كتبت اليوم.
والله ولي التوفيق
قراءة ممتعة



إن التعليم بالأمثلة بنظري هو من أفضل المدارس التربوية التي تقود الأشخاص ذوي المستوى المعرفي القابل للنمو بالاتجاه الصحيح عن طريق تقريب المعلومة بواسطة أمثلة حياتية عملية.

 من المهم جداً استيعاب امكانية وجود أسس فكرية متشابهة بين المختلفين، فهذه الأسس هي التي أقيم عليها مبنى الاختلاف. والمثال العملي هو الصراع بين السنة والشيعة. فالمتابع المتعمق للنزاع بينهما سيجد أن النزاع في ذاته منحصر في إثبات بطلان أو صحة الأسس الفكرية الموجودة لدى الطرف الآخر، بالإضافة لمحاولة إثبات صحة مذهب أحد الفرق من بطون كتب المذهب الآخر. 

طبعاً، أنا لا أروم إثبات صحة أي مذهب (وإن كان البعض سيتهمني بهذا ولكن هذه نقطة لن أرد عليها هنا)، إنما أروم إلى إظهار أن كلا الطرفان مستعدان لتنمية نفس النواتج الفكرية. وحتى نرى هذا بوضوح، سأعرض ثلاث أمثلة، واحدة منها على مستوى السلوك الفردي، وواحدة منها على المستوى اللغوي، وواحدة منها على مستوى التعبدي.

أولاً: السلوك الفردي

يفهم المسلمون من القرآن وتراث المرويات عدم جواز التشبه بالمخالفين الدينيين عموماً. ويمتد هذا النهي إلى حد طريقة تناول الطعام، فكيفية وصورة تناول الخبز أصبح محل نزاع فكري هنا. ووجدت أن بعض السلفية يسخر من الشيعة قولهم أن تقطيع الخبز شيء مكروه، لكن أقول أن القضية هنا أعمق. فبالرغم من الإشكالات الحديثية إلا أن هذا الكلام كان محل تناول الفقهاء. تعالوا نقرأ ما قاله الشيعة والسنة.


قول الشيعة
(11760 13)  أحمد بن محمد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن جمهور، عن إدريس بن يوسف عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقطعوا الخبز بالسكين ولكن اكسروه باليد وليكسر لكم، خالفوا العجم (2).
(11761 14) علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: لا تقطعوا الخبز بالسكين ولكن اكسروه باليد وخالفوا العجم.



قول السنة
7989-عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا تقطعوا الخبز بالسكين كما تقطعه الأعاجم وإذا أراد أحدكم أن يأكل اللحم فلا يقطعه بالسكين ولكن ليأخذه بيده فلينهشه بفيه فإنه أهنأ وأمرأ‏"‏‏.‏
رواه الطبراني وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف‏.‏


وتكسير الخبز بالسكين بدعة مكروهة وفيه انتهاك لحرمة الخبز



ثانياً: المستوى اللفظي

وجدت أن هناك سخرية بين السلفية والشيعة حول لفظ "أن الأرنب من الحشرات". فالأول يسخر من كلام الثاني والثاني يتهم الأول بالجهل. هذه دعوة للطرفين بالتأني وعدم الانجرار خلف المهاترات. فما هي الحشرات حسب اللغة العربية الفصحى؟

أبو حاتم قال أبو خيرة حشرة الأرض الدواب الصغار منها اليربوع والضب والورل والقنفذ والفأرة والزبابة والجرذ والحرباء والعظاية وأم حبين والعضرفوط والطحن وسام أبرص والدساسة وهي العنمة والشقذان والثعلب والهر والأرنب وقيل الصيد أجمع حشرة ما نعاظم منه أو تصاغر وما أكل من الصيد فهو حشرة الواحد والجميع في ذلك سواء


اذن يتجلى هنا فكرة: أنا ما أسخر منه لديك، أعاني أنا منه. يقول إنجيل متى الإصحاح السابع:

1 لا تدينوا لكي لا تدانوا
2 لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم
3 ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها
4 أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك
5 يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك


المستوى الثالث: المستوى التعبدي

هل يحتمل الفكر الإسلامي وجود أعمال توازي أو تتجاوز في ثوابها الفرائض المعروفة؟ يذهب السنة إلى وجود أعمال يوازي فضلها الحج والعمرة، ويذهب الشيعة إلى مثل هذا وأكثر. كيف؟ تعالوا نقرأ.

قول الشيعة
فضائل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)

*وقد تم تقسيم الفضائل حسب درجة مساواتها للأعمال المعروفة*

حجة وعمرة
حجة وعمرة واعتكاف في المسجد الحرام
ثلاث حجج
عشر حجج
عشرين حجة وعمرة
أفضل من عشرين حجة
خمسة وعشرين حجة
ثلاثون حجة مبرورة متقبلة
خمسون حجة
خمسون حجة مع رسول الله
سبعون حجة من حجج رسول الله
مئة حجة
ثمانون حجة مبرورة
ألف حجة مقبولة
ألف حجة وألف عمرة مبرورة



قول السنة
رقم الحديث: 7346
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، ثنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجَّتهُ " .
https://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=477&hid=7346&pid=284911

558 حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ . قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ )

رواه الترمذي (586) وقال : حسن غريب . وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (3403)







خاتمة

إن صراع الأطر الفكرية الدينية برأيي هو صراع سطحي لا يرتقي أصلاً إلى مستوى الصراع الفكري، ولكنه صراع راح ضحيته العديد من الناس بسبب عدم قدرتهم على هضم المبادئ الفكرية التي يقوم عليها أي صراع. إن المنهج العلمي القاضي بأن الأفكار المتناقضة لابد لها من نظرية توحدها وترفع التناقض بينها ولو بدرجة معينة هو المنهج الأقدر على حل المشاكل الاعتقادية والصراعات الفقهية. إن الصراع في النماذج أعلاه لا يمكن حله إلا بالاحتكام للمدرسة الحديثية وتوحيد أسسها بين السنة والشيعة (وهذا غير ممكن في رأيي بسبب الخلاف الشديد -وليس الاختلاف-). نحن بحاجة لنظرة جديدة للموروث وقراءة متعمقة فيما هو متوافر. 

والحمد لله رب العالمين