الأحد، 22 مايو 2016

الجنس - وجهة نظر


بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قمت بكتابة سلسلة مقالات على الفيسبوك من أجل التوعية العامة حول الجنس. إن تصحيح المفاهيم وتوضيح جوانب الجنس المختلفة مهم جداً لنشر ثقافة ووعي جنسي متكامل. في هذا المقال اهتميت بعدة أمور: الانجذاب الجنسي، الإدمان الجنسي، والمثلية الجنسية. وهي أمور لا يتم مناقشتها أو حتى الاهتمام بها عموماً... قراءة ممتعة


مقدمة


برأيي الشخصي إن الجنس مكانه الدماغ لا الاعضاء التناسلية، فما الاعضاء التناسلية إلا نقاط اتصال مع مواقع الجنس في الدماغ. وبالتالي فإن السلوك الجنسي مرتبط بشكل أساسي بالدماغ، والدماغ يرتبط بدوره بالحالة النفسية للإنسان. وبهذا لا يمكن الفصل برأيي بين الحالة النفسية والسلوك الجنسي.

وحتى لا نقع في وادي المصطلحات والافتراضات، سأقوم بشرح كل مصطلح على قدر الاستطاعة حتى لا يحمّل أحدهم كلامي ما لا أريد أن يحتمل. إن الحالة النفسية لا أقصد بها وجود مشكلة، فهناك حالة نفسية مستقرة وهناك حالات نفسية تقع بعيداً عن نقطة الاستقرار. فلا يمكن أن نعتبر من لديه مشكلة نفسية أن لديه حالة هو فقط، بل كلنا لدينا أحوال نفسية، وبعضنا مستقر وبعضنا الآخر مضطرب.


وبعد أن قيل ما سبق أستطيع الخوض قليلاً في متاهات الجنس التي قرأت عنها وكان لي تجربة شخصية معها في مجموعات من مدمني الجنس والذين لديهم مشكلة الجنس المثلي. فمصادري يمكن أن تجدوها في: 
1- كتاب My Genes Made Me Do It
2- كتاب The White Book: Sexaholic

كما قلت سابقا، لا ينفك الجنس عن الدماغ والحالة النفسية، وكون الارتباط موجود، فلابد من وجود آلية يتفاعل فيها الدماغ مع الجنس، ألا وهي الدوبامين. فالدومباين يصدر عندما يشعر الإنسان بالإثارة (حتى الرياضة تستثير الدوبامين فنجد بعض الناس قد ادمنوا على الرياضة)، ومن أنواع الإثارة الجنس. ولهذا فالإنسان يطلب الجنس للشعور بالسعادة والرضا.

ونجد أن هناك شريحة كبيرة من الناس لديها وسائل تفريغ جنسي إما مع الذات أو مع الغير، بل ويصل الأمر حتى الأحلام، فالجسد البالغ يحتاج إلى جهة لتفريغ الرغبة الجنسية. برأيي الشخصي إن من لا يملك حياة جنسية ولو حتى بالأحلام لديه اختلاف عن الحالة العامة من البشر.

النفس البشرية شديدة التعقيد، وهذا ما سأناقشه في الأيام المقبلة.. كي أريكم إلى أين يصل الجنس وإلى أين يمكن أن يأخذ صاحبه.




أسس الإنجذاب الجنسي.


لن أتحدث في الآلية الكيميائية التي تسري في الدماغ والجسد ككل فتلك أمور لا تهمني، ولكني سأتحدث في الخلفية النفسية للانجذاب.


إن الإنجذاب الجنسي هو ببساطة سعي للاستقرار، والانتقال من حالة الاضطراب إلى حالة السكون. فالانجذاب الجنسي هو سعي للكمال أو سعي لتعويض نقص ما. ونستطيع الاضافة أن الإنجذاب الجنسي مبني على الاختلاف النفسي (لا الجسدي).

نستطيع أن نضع قاعدة عامة للانجذاب الجنسي: كل ما هو مختلف مثير جنسيا. هذا الاختلاف النفسي (أو الإنفصال النفسي) هو ما يقود العملية الجنسية برمتها. فالإنسان (أ) ينجذب للإنسان (ب) لأن الإنسان (ب) يمتلك صفات نفسية و/أو جسدية تختلف عن الإنسان (أ). ولهذا قلت في بداية الأمر أن الإنجذاب هو سعي للكمال أو لتعويض النقص.

عموماً، نجد عدة توجهات جنسية لدى الشرائح البشرية:
1- توجه جنسي مغاير: ذكر ينجذب لأنثى والعكس بالعكس.
2- توجه جنسي مزدوج: ذكر ينجذب للذكور والإناث بدرجات متفاوتة والعكس بالعكس.
3- توجه جنسي مثلي: ذكر ينجذب لذكر وأنثى تنجذب لأنثى.

إن التوجه الجنسي المثلي مبني على عقدة نقص الذكورة، ولهذا يسعى الذكر الذي يعاني من الميول المثلية الحصول على "باقي" ذكورته من الذكور الآخرين عن طريق العلاقة الجنسية. فلسان حال من يعاني من الميول المثلية: "أنا أريد ممارسة الجنس مع فلان لأن فلان أجمل مني، فإن قبلني فلان فهذا يعني أني مثله، وهذا يشعرني بالسعادة" أو "أنا محتاج للحب الأبوي ولهذا أنا اريد العلاقة مع ذلك الرجل فهو مثل أبي" ... في عمق الميول المثلية: هناك جوع للأحضان.. ولا سبيل للأحضان بين الرجال عموما إلا الجنس.

أما التوجه الجنسي الغيري، فهو مبني على انفصال الذكر عن الأنثى نفسيا فتصبح الأنثى غريبة عنه، ولهذا هو يتوق لتلك الأنثى في داخله، يتوق لصفات النعومة والرقة، فيبحث عن الجنس مع الأنثى ليكمل تلك المشاعر ويحصل عليها. بل لا استبعد أن بعض العلاقات الزوجية قائمة على تعويض علاقة الإبن مع أمه أو الابنة مع أبيها (والله أعلم).


الإدمان الجنسي


أقصد بالإدمان الجنسي تحول العملية الجنسية سواء أكانت ذاتية أو مع الآخرين إلى حاجة شديدة تدفع الشخص للمارسة قهراً. فمدمن الجنس شخص لا يجد الراحة إلا بالجنس، مما يدفعه إلى طلب المزيد منه، وما أشبه إدمان الجنس بإدمان الكحول. علمياً، ترتبط آلية الإدمان الجنسي بإفراز الدوبامين، ولكني سأتكلم عن الجانب النفسي للإدمان الجنسي، لأن الجانب النفسي هو ما يهمني.


في الحقيقة لا يمكن حصر العوامل المسببة للإدمان الجنسي بطريقة يسيرة، فالإدمان الجنسي تتنوع أسسبابه من وجود إضطراب نفسي وقلق يدفع الشخص للمارسة الجنسية مع النفس أو الآخرين، إلى ممارسات كثيرة تؤدي للإدمان، إلى الانغماس في لذة ذاتية تقود للإدمان، إلى وجود تعرض مسبق للجنس في الطفولة. مرة أخرى، لا يوجد عامل وحيد. ولهذا وقف الطب النفسي عاجزاً عن تشخيص المشكلة، فلا يوجد سبب ميكانيكي واضح أو خلل يمكن دراسته، والأنماط متعددة بشكل كبير. بمعنى آخر: لا يمكن وضع علاج لشيء أسبابه متعددة بشكل لا يدخله عقل.

ولكن في زمالة مدمني الجنس المجهولين تم وضع إطار عام لمستثيرات الإدمان الجنسي، وتم جمعها بكلمة بسيطة جميلة: HALT
H: Hungry.
A: Angry.
L: Lonely. 
T: Tired 
فالجوع والغضب والوحدة والتعب (نفسي أو جسدي) كلها تقود الشخص إلى اللجوء إلى وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية في سلوك معين (تدخين، شرب كحول، جنس، رياضة، مخدرات، تدين زائف، تسوَق، الخ). وبالتالي فإن الإدمان الجنسي هنا وسيلة للهروب من تلك المشاعر الناتجة من تلك المستثيرات. وهناك عمود آخر يقوم عليه الإدمان الجنسي: اشتهاء الآخر، والرغبة بأن يشتهينا الآخر To lust and to be lusted after. وهو مفهوم عميق جداً... حيث تم اختصار الإنسان وتحويله من حالته الإنسانية إلى مجرد جسد، بالإضافة إلى سيطرة التبرير الجنسي للسلوكيات، فيصبح كل سلوك هو دعوة مبطنة للجنس.

الإدمان الجنسي لا يعرف ديناً أو جنساً أو توجهاً جنسياً... الإدمان الجنسي هو الإطار العام لأي سلوك جنسي يجعل الحياة غير قابلة للسيطرة... نعم هناك من خسر وظيفته بسبب الإدمان الجنسي. طبعاً، هناك برنامج 12 خطوة لعلاج الإدمان الجنسي وهو برنامج قوي ويحتاج إلى مدة طويلة نسبيا حتى ينجح لدى الشخص.

إن تحول السلوك الجنسي إلى سلوك قهري لهو أمر مؤلم جداً، فالشخص يخسر كثيرا ويُصاب بالجروح النفسية بسبب سلوكه، ولهذا تلزم التوعية بخصوص هذا.. 



المثلية الجنسية


المثلية الجنسية هي الانجذاب الجنسي والنفسي لنفس الجنس، وليست هي ممارسة فعل قوم لوط. المثلية الجنسية هي حالة نفسية تصيب نسبة معينة من البشر، ولها اسبابها المدروسة والمعروفة، ولكن كما هي الحالة مع الادمان الجنسي، فلا يمكن حصر الاسباب بعدد معين من الحالات، فالاحتمالات هائلة.


إن المثلية الجنسية تجعل الذكر يتوق للقبول والمحبة من الذكور الآخرين حصرا، فهو "جائع" ويريد سد الجوع بتكوين روابط عميقة مع الذكور. ولكن وللأسف، تشترك تلك المشاعر مع القنوات الجنسية في الدماغ، فتصبح رغبة القبول والمحبة انجذابا جنسياً، ولهذا قلت في بداية مقالاتي أن الانجذاب الجنسي هو سعي للكمال، فالذكر هنا يسعى لسد حاجته ويكمّل نفسه عن طريق الانجذاب النفسي والجنسي للذكور الآخرين.

إن رغبة المثليين عبارة عن مجموعة رغبات طفولية جداً: أحضان وتقبيل... لكن ممن تلك الأحضان والقبلات؟ من الوالد بالذات. فالذكر المثلي انفصل نفسيا عن ابيه، ولهذا هام يبحث عنه في العلاقات المختلفة. عميقا في داخله يبحث المثلي عما يبحث عنه اي طفل... حض أمين يلجأ إليه فيحتمي به.. لقد غاب عنه مصدر القوة في طفولته، مصدر القوة النفسية، ولهذا هو يريده...

ولكن في خضم كل هذا، يتم وصم المثلي بأبشع الصفات... فينتج الرفض وتنتج الحركات المثلية... للاستزادة راجعوا كتاب شفاء الحب.

لمساعدة المثليين يجب علينا قبولهم ومحبتهم، وهذا صعب، فحتى أنا أجد نفسي أقبل بعضهم بصعوبة. ولكن على الأقل يجب علينا قبول ومساعدة من يريد التغيير، ومن لا يريد التغيير فلا نتعرض له ونتركه في حال سبيله ونطلب منه المثل بالمقابل.

علاج المثلية يحتاج مساعدة احترافية والتزام شديد، والبرنامج متوفر في كتاب شفاء الحب الطبعة الثانية. ولكن هناك قضية: قد تندمج المثلية الجنسية مع الادمان الجنسي، ولهذا يجب الالتزام ببرنامج 12 خطوة للادمان الجنسي أيضاً.

ولكن فوق كل شيء، يجب قبول المثلي الراغب بالتغيير وعدم وصم المثلي الممارس علنا. حتى لو كنا نرفضه فلا داعي لوصمه ووصفه بأوصاف بشعة.. الكثير من المثليين اساتذة واطباء ومهندسين ومفكرين وعلماء. وهم أفراد منتجون ومشاركون بفعالية بالمجتمع. ولهذا فثقافة الوصم إشكالية.

ولا يجب الخلط بين قبول المثليين وبين قبول الزواج المثلي وقضاياه، لأن الزواج المثلي قضية سياسية وعبارة عن مصيدة لإخضاع الراغبين بالتغيير. هل تعلم أن بعض دول العالم تجرّم الأطباء الذين يساعدون المثليين على التغيير؟ فلا تتسرعوا واقرأوا وكونوا واعين.

دمتم بود.