الأحد، 25 ديسمبر 2016

وهم الأمة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يحزنني أكثر من أن البعض يقوم بتدليس المفاهيم وتلبيسها على عقول الشباب عن طريق تزوير التاريخ وغض النظر عن الحقائق لإنتاج المفاهيم التي تؤدي إلى خلق الأطر الفكرية الحالية. 
إن مفهوم الدولة الإسلامية أحد تلك المفاهيم التي تم بناءها على التدليس برأيي. 

اليوم أقدم قراءة ناقدة لهذا الأمر. 

قراءة ممتعة


لا أكون مجحفاً بحق العموم، إن قلت أن أحلام قيام أمة أسلامية أو حتى دولة إسلامية تقبع في عقول العامة. ولكن مع التغيرات الأخيرة والواقع المضطرب الذي نشهده بسبب ظهور ما يُعرف بالدولة الإسلامية، ظهرت تحديات ما بعدها من تحديات في وجه مفهوم الدولة الإسلامية. هذه التحديات يجب أن يتم عرضها وفق إطار ومنهج علمي محايد وناقد كي يفهم البعض ثغراتهم الفكرية.

إن هدفي من هذه المقالة هو إيصال رسالة مهمة جداً إلى الحالمين بالدولة الإسلامية: هل ستبقون واهمين؟ 

إن سبب هذا الوهم هو تزييف التاريخ الذي وصلنا بخصوص الإمبراطورية الإسلامية التي انشأها كل من الأمويين والعباسيين، والتي تفككت لاحقا وتقسمت وتشتت حتى عاد العثمانيون وأنشأوا دولتهم. فكان المسلمون وقتها يتبعون قوة عظمى، قامت باحتلال واسقاط دول أخرى تحت إسم الإسلام. وبالتالي فالحالة النفسية هي حنين إلى ما مضى من مجد وتاريخ وقوة ومنعة، حيث كان المسلمون يرون أنفسهم أسياداً لا عبيد. والمضحك أني وقفت على جملة غريبة قديماً تقول:
في الدولة العثمانية كانت السفن العثمانيه حين تمر أمام الموانئ الاوربيه كانت الكنائس تتوقف عن دق أجراس الكنيسه خوفا من إستفزاز المسلمين فيقوموا بفتح هذه المدينه..



وطبعاً بنظري، إن ما يسمى بالدول الإسلامية التي حكمت منطقتنا متعاقبة ابتداءً من الخلافة الراشدة وانتهاءً بالإمبراطورية العثمانية هي جمهوريات علمانية باطناً استغلت الدين في تحريك الشعب من حولها في منهج برجماتي لا أكثر. فلا فضل ولا فضيلة في هذا. إنه صراع الأمم وفي كل صراع الغاية تبرر الوسيلة كما قال ميكافيللي. 

ولا يهمني مناقشة الآثار السياسية والاجتماعية وابراز كذب ادعاء وجود الدول الإسلامية التي يحاول البعض أن ينسب لها الفضائل متناسيا تلاقحها مع الفرس والبيزنطينيين الذين لهم من التاريخ المعلوم ما لهم فما كان لنا إلا التأثر بالأقوى والتحرك معه لسد النقص في الشخصية العربية، ومتناسياً أن أكبر من يسميهم علماء ليسوا عرباً بل يتبعون أقواماً من الأمم التي تم فتحها (احتلالها) على يد جيوش المسلمين. وبالتالي فلا مجال أصلاً لنقاش هذه الآراء، لأن الناظر الجاهل لن ينظر سوى للعموميات دون محاولة فهم ما يجري فعلا على المستوى الميكروي. 

واليوم فأنا سأحاول انتقاد مفهوم الأمة الإسلامية من عدة جوانب كي أبرز ضعف وهزال هذه الفكرة، وكي يتحول من يطالبون بها إلى منهج أكثر واقعية وأكثر استيعاباً للواقع المحيط. وهذا الانتقاد يقوم على أساس انبثق منه الكثير من الأمور: فهم النص الديني. 

نعم، الواقع يقول أن المسلمين انقسموا بكل وضوح إلى سنة وشيعة، والسنة انقسموا إلى معتزلة وأشاعرة وصوفية وماتريدية وسلفية، وانقسم الشيعة إلى إمامية واسماعيلية وزيدية، ولو طبقنا نظرية التطور عليهم لكان الأصل المشترك لهم هو النبي محمد (ص) ثم بدأوا بالتفرق والتمايز حسب قاعدة تراكم الطفرات لانتاج جديد فكان الأجداد الباقين عبارة عن الصحابة فالتابعين فتابعي التابعين فمؤسسين المدارس الفقهية. حتى تحول الإسلام الحالي إلى صورة تختلف جوهراً ومظهراً عن الإسلام الذي نتج ولا تشترك معه إلا في بعض أمور صغيرة جداً لا تتعدى عدد الأصابع. أما التفاصيل فالله أعلم بها! ولربما يحضرني في هذا الأمر كلام العلّامة الحيدري حول عدد أخبار التشهد الذي وصلنا عن طريق السنة فوصل به العدد إلى تسعة. هناك تسع صيغ للصلاة اذن ولا نعلم أيها صحيحة، ولا مفاضلة إلا في السند، الذي هو قضية إشكالية أخرى. 

وبالتالي فإن قلنا بوجود دولة إسلامية، فعن أي مذهب نتكلم هنا؟ أم عن أي أساس موحد مشترك نتكلم هنا؟ أم عن أي تفسير للقرآن نتكلم هنا؟ أم عن أي قانون شرعي نتكلم هنا؟ إن طبقنا مفهوم الدولة الإسلامية، فنحن أمام عدة خيارات كالآتي:
  1. دولة لكل طائفة ومذهب حسب آراءه.
  2. دولة واحدة دكتاتورية تفرض رأيها وتمنع الآخرين من حرية العقيدة (إيران والسعودية مثلاً).
  3. دولة إسلامية ذات مذهب لكنها تسمح للمخالف في تطبق مذهبه عن طريق محاكم يتم انشاءها بالاتفاق مع الدولة كما هو الحال في محاكم المسيحيين.
  4. دولة اسلامية بلا مذهب وتمارس نفس أسلوب الإدارة الخاص بالدولة المذكورة في النقطة السابقة.
وطبعا الطرح أعلاه لا يحل إشكال مهم: هل تسمح تلك الدولة بنشوء مذهب فقهي مخالف؟ مذهب مثلا يطعن بقضايا تعتبر صحيحة ومن المسلمات؟ هل تسمح تلك الدولة أصلاً بخرق القانون الإسلامي؟ مثلا تعاملها مع الخمور والدعارة والزواج والميراث. وبالتالي يجب على هذه الدولة أن توضح هذه الإشكاليات الكبرى بنظري. ماذا عن حد الردة والرجم؟ هل سيقبلون بالتفسيرات الحديثة أم سيمارسون طبقا لما لدينا من نصوص؟ أم سيتمسكون بالجزية وتعريف المواطنة من الدرجة الثانية وتقسيم الناس إلى احرار وعبيد وموالين، ومنع مثلا المسيحي من أن يكون قاضيا في شأن إسلامي، وفرض القانون الإسلامي على غير المسلمين. هل سيكون لكل محكمته ولكل حق اختيار القانون؟ هل سيتعارض هذا مع الدستور الإسلامي أن تكون هناك محكمة للملحدين تحكم لهم مثلا بحق الانتحار؟ويفترض البعض أن هذه الجماعة قد تحكم يوما ما، ولنقل أنها ستحكم مثلا ألمانيا، وألمانيا معروف وضعها الحالي، فهل ستقوم تلك الدولة بمنع ما تسمح به ألمانيا؟ هل ستمنع الخمور والزواج المدني والمثلي وتمنع الدعارة وتمنع القتل الرحيم إن سُمِح به؟ هل تفرض الحجاب على المسلمات فقط؟ 

 تساؤلات كثيرة لا نهاية لها!

في مستوى أدق، ما هي الصورة التي ستتبناها للإله؟ هل هو الإله الجالس على العرش الذي يهتز لموت فلان ولممارسة الجنس من قبل علان؟ أم إنه إله ليس كمثله شيء مجهول ومفارق وكل ما ذكر حوله للتأويل؟ أم هي لن تتبنى أي منهج وستدع الناس تختار تعريف الإله الذي يناسبها؟ 

وقد يحاول البعض الاستدراك فيقول: نحن نحاول انشاء مجتمع إسلامي قادر على التعامل مع المتغيرات المحيطة، وبالتالي تحول المجتمع لمفهوم جديد، فأصبح كجماعة داخل بنية، وهذه الجماعة لها قوانينها وخصائصها. أقول هذه ليست دولة. بل هذه جماعة عرقية أو دينية اختارت لنفسها منهجاً لا أكثر. 


وبالتالي من يريد إنشاء دولة إسلامية عليه التفطن لهذه الأمور:
  1. أن تكون أقوى فتفرض ثقافتك كما تريد. 
  2. أن تكون دكتاتورا فتمنع غيرك من فرض أفكاره.
  3. أن تكون علمانيا فتسمح للآخرين بالحرية.

وبالتالي فمفهوم الدولة الإسلامية الحالي غير قابل للتطبيق إلا أن تكون هذه الددولة دولةً شمولية دكتاتورية قائمة على الحزبية الدينية بكل وضوح. وإلا فهي ستنحصر وتتحول إلى منهج اجتماعي لجماعة معينة، وفي حالات أشد سيتحول الدين إلى منهج فردي لا أكثر.

وبالتالي إن أرد البعض أن يقوم بإنشاء دولة إسلامية، يجب أن يعيد فهم الحلال والحرام ويعيد تعريف ضوابط المجتمع ويغيرها كي يستطيع ان يقدّم نموذجا أكثر قبولا ومرونة وقابلية للتعامل مع المشاكل المحيطة. هل ستسميها علمانية؟ هل ستسميها اتباع هوى؟ تذكر أن من صنع الأمة الإسلامية بشر واتبعوا اهوائهم حتى وان بدت جيدة في فهم النصوص. وبالتالي فهو نتاج البيئة والظروف التاريخية ولا نختلف عنهم بشيء.

والحمد لله رب العالمين.

دمتم بود.