السبت، 15 أبريل 2017

هل يأمر القرآن باتباع علماء الدين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

ما هو الدليل على أن العلماء الذين يجب اتباعهم في القرآن هم علماء الدين؟ هل يصمد هذا الإدعاء أمام التحقيق؟
قراءة ممتعة

يعاني المسلمون من سلطة فكرية اسمها الفقهاء، فالفقهاء يتحكمون بتعريف الإيمان القويم وكيفية فهم النصوص. وكمثال على هذا، نجد أن أتباع المذهب الشيعي يمثلون مراجعهم بالأطباء المختصين الذين يجب الرجوع إليهم في حالة الاحتياج لاتباع نصحهم وأرشادهم. والسنة أيضاً لا يختلفون في أساس وجوب اتباع العلماء. 

ولهذا فإنه من الضروري مراجعة الآيات التي تأمر باتباع العلماء لنقف على حقيقة القضية وفق الفهم التاريخي للنص من جهة أسباب النزول تباعاً. 

الآية الأولى:



﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ [سورة النساء: الآية 83].


ما هو سبب نزول هذه الآية؟ 


وقوله تعالى: { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة، وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) وفي الصحيح: (من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) ولنذكر ههنا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طلق نساءه فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى اللّه عليه وسلم فاستفهمه، أطلقت نساءك؟ فقال: (لا) فقلت: اللّه أكبر وذكر الحديث بطوله. وعن مسلم فقلت: أطلقتهن فقال: (لا)، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية: { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} ، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. المصدر تفسير ابن كثير.


اذن الغاية من سبب نزول الآية هو حض المؤمنين على عدم نشر الأخبار دون فهم عبر سؤال أولي الأمر! وهذا يتسق بشكل مثالي وكلي مع قوله تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) ﴾ 




( سورة الحجرات).



اذن كيف يمكن فهم أن للفقهاء السيادة هنا؟ الآيات تتحدث عن مشاكل دنيوية تعرض لها المسلمين وتصرفوا فيها بطريقة غير مقبولة ونزلت الآيات تربيهم وترشدهم للطريق القويم.


وبهذا فالاستدلال بالآية 83 من سورة النساء غير مقبول في مجال طاعة العلماء.


الآية الثانية:


﴿وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [سورة التوبة: الآية 122].

وأسباب النزول هي:

اسباب النزول - أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً...} الآية. [122].
قال بن عباس في رواية الكلبي:
لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد، قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سَرِيَّة أبداً. فلما أمرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالسَّرَايا إلى العدو، نفر المسلمون كافَّة، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. المصدر موقع الروح للتفسير.

ومن نفس المصدر أعلاه، نجد أن ابن كثير نقل في تفسير الآتي:

هذا بيان من اللّه تعالى لما أراد من نفير الأحياء مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك، عن ابن عباس في الآية: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ، يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعاً ويتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وحده: { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني عصبة، يعني السرايا ولا يسيروا إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد أنزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقالوا: إن اللّه قد أنزل على نبيكم قرآناً، وقد تعلمناه فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل اللّه على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخرى، فذلك قوله: { ليتفقهوا في الدين} يقول: ليعلموا ما أنزل اللّه على نبيهم، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم { لعلهم يحذرون} . وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفاً، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال لهم الناس: ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا، فوجدوا من أنفسهم من ذلك تحرجاً، واقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال اللّه عز وجل: { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يبغون الخير{ ليتفقهوا في الدين} وليستمعوا إلى ما أنزل اللّه، { ولينذروا قومهم} الناس كلهم { إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ، وقال الضحاك: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه إلا أهل الأعذار، وكان إذا أقام وأرسل السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، وكان الرجل إذا غزا فنزل بعده قرآن وتلاه نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه أنزل بعدكم على نبيه قرآناً فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ، يقول: إذا أقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني ذلك أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعاً، ونبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاعد، ولكن إذا قعد نبي اللّه فسرت السرايا وقعد معه معظم الناس. وقال عكرمة: لما نزلت هذه الآية: { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} ، { وما كان لأهل المدينة} الآية، قال المنافقون: هلك أصحاب البدو والذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه، وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقونهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة} .

 اذن فالآية 122 من سورة التوبة حسب أسباب النزول أعلاه، تتكلم حول إشكالية من يترك النبي في غزواته وما هي واجباتهم، وكيفية تعدل الأحكام بعد تعليق اليهود على القضايا الجهادية، والأهم من هذا دور من يحفظ القرآن في نقله لباقي المسلمين. فلا وجود اتباع للعلماء ولا هم يحزنون.. إن هو إلا تأويل. 

ونستمر في طرح الآيات. نقف الآن مع أشهر آية في القرآن والتي يستدل بها المسلمون على مليون قضية مختلفة، وهي:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [سورة النساء: الآية 53].

ولنقف الآن على أسباب النزول:

اسباب النزول - أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ...} الآية. [59].
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العَدْل، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا الحافظ، قال: أخبرنا أبو حامد بن الشّرقي، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا حَجَّاج بن محمد، عن ابن جُرَيْج، قال: أخبرني يَعْلَى بن مُسْلِم، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ} قال:
نزلت في عبد الله بن حُذَاقة بن قَيْس بن عَدِي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَرِيَّة. رواه البخاري عن صدقة بن الفضل، ورواه مسلم عن زهير بن حرب؛ كلاهما عن حجاج.
وقال ابن عباس في رواية بَاذَان: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سَرِيّة، إلى حيّ من أحياء العرب، وكان معه عمَّار بن يَاسِر، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عَرَّسَ لكي يُصَبِّحَهُم، فأتاهم النذير فهربوا غير رجل قد كان أسلم، فأمر أهله أن يتأَهَبُوا للمسير، ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد، ودخل على عمّار فقال: يا أبا اليَقْظَان! إِني منكم، وإنْ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا، وأقمت لإسلامي، أفَنَافِعِي ذلك، أم أهرب كما هرب قومي؟ فقال: أقم فإن ذلك نافعك. وانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام، وأصبح خالد فأغار على القوم، فلم يجد غير ذلك الرجل، فأخذه وأخذ ماله، فأتاه عمّار فقال: خل سبيل الرجل فإِنه مسلم، وقد كنت أَمَّنته وأمرته بالمُقام. فقال خالد: أنت تجِيرُ عليّ وأنا الأمير؟ فقال: نعم، أنا أجير عليك وأنت الأمير. فكان في ذلك بينهما كلام، فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه سولم، فأخبروه خبرَ الرجل، فأمَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاز أمان عمّار، ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه.
قال: واسْتَبَّ عمّار وخالد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغلظ عمّار لخالد، فغضب خالد وقال: يا رسول الله أتدع هذا العبد يشتمني؟ فوالله لولا أنت ما شتمني- وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا خالد، كفّ عن عمار فإنه من يسب عماراً يسبّه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله". فقام عمار، فتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه، فرضي عنه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأمر بطاعة أولي الأمر. المصدر: موقع الروح للتفسير.


وينقل ابن كثير من المصدر أعلاه في نفس الآية الكلام الآتي:


قال البخاري عن ابن عباس: { أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ، قال نزلت: في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سرية، وقال الإمام أحمد عن علي قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء قال، فقال لهم: أليس قد أمركم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً - ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، قال، فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، قال: فرجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: (لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف) وعن عبد اللّه بن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) ""رواه أبو داود


وعلى ما يبدو، أن ابن عباس هو صاحب رأي أن أهل العلم هم الفقهاء وأهل الدين، حسب تفسير ابن كثير من المصدر أعلاه. 


خلاصة الموضوع: 

لم يتم اثبات أن أهل العلم هم الفقهاء من أسباب النزول، بل تم حشر القضية برأي المفسرين وربما الصحابة فلا أصل لهذه القضية وهي تأويل للآيات بلا دليل صريح.

دمتم بود.