الاثنين، 26 يونيو 2017

التبني: خيار أخلاقي

بسم الله الرحمن الرحيم

يقدم البعض تصوراً مفاده أن الكفالة هي بديل التبني
بل ويحتجون بالنصوص على حرمة التبني
هذه المقالة توضح كيف أن الكفالة نظام لا يكفي وأن التبني ممكن وفي حدود التأطير الشرعي وفق ضوابط معينة!
فقط نحتاج للنظر بطريقة أكثر شمولاً

قراءة ممتعة




إن فقدان أحد الأبوين مصيبة، لكن المصيبة كل المصيبة عندما يجد الإنسان نفسه بلا أبوين لأي سبب من الأسباب، سواءً بالوفاة أو باختصار النبذ! النوع الأخير (بلا والدين) هو ما اهتم به في هذه المقالة. 


المسؤولية الأخلاقية عالية في هذه الحالة، حيث على المجتمع التصرف بخصوص فئة كاملة من الأطفال، ذكوراً  أو إناثاً، لحمايتهم ورعايتهم لتمكينهم من النمو النفسي والجسدي بشكل طبيعي ليصبحوا لاحقاً أفراداً فاعلين ومنتجين في المجتمع. 

ولأجل معالجة هكذا مسألة، تم إنشاء مراكز لرعاية الأيتام ومن تم نبذهم حول العالم، حيث يتم تقديم الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية لهم في تلك المراكز. ويقوم المسلمون حول العالم بشكل خاص بتقديم نوع من الدعم تحت مسمى "كفالة اليتيم". وهدفي من المقال اليوم تبيين أن "كفالة اليتيم" ليست الحل السحري، بل هو حل ناقص ولا يمكنه الارتقاء إلى ما نتطلع عليه. 

كفالة اليتيم هي رعاية مادية بالدرجة الأولى، حيث يتم تقديم الأموال لليتيم ويسمى مُقدّم الأموال" كافلاً. وبالتالي فلا مسؤولية حقيقية على الكافل، سوى أن يقوم بتوفير المال والمؤونة لليتيم. إن كفالة اليتيم هذه تعتبر اليتيم مجرد آلة ميكانيكية يمكن ادامتها بواسطة الصيانة الدورية المنضبطة (دفع الأموال بشكل مستمر)، ثم يتم قطع الأموال عند بلوغ الشخص السن القانونية فتٌخلى مسؤولية الكافل ولا يعود لديه ما يربطه باليتيم أي شيء. هذا هو الإطار القانوني لا الاجتماعي، فعلى الصعيد الاجتماعي يمكن التواصل بين اليتيم وكافله وربما تنشأ رابطة نفسية لاحقاً، لكن قانونياً، لا شيء ملزم. 

ولهذا، وحتى يكون هناك جدوى، يجب تقييم مفهوم الكفالة قانونيا لا اجتماعياً، لأن في النهاية، القانون هو ما نحتكم جميعنا له وهو ما يحمي الحقوق في نهاية الأمر. قانونياً، لا يوجد التزام نفسي بين الكافل والمكفول، فالعلاقة بينهما مادية بحتة حتى سن البلوغ، والأدهى والأمر، يمكن للكافل قطع المعونة لاحقاً دون مسائلة حقيقية، ففي نهاية الأمر هو متفضل (المصدر: http://www.aynyateem.com/display_page.php?nid=87. بينما في حالة الأبوة الطبيعية، فالقانون ربما يجبر أحد الأبوين على رعاية الطفل (المصدر: http://iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=28335). 

اذن، نجد أن الكفالة قانوناً غير منضبطة ولا يمكن حماية حق المكفول كونه لا يقع ضمن مسؤولية الكافل. وكبديل لمأساة الكفالة هذه، يجب دعم المؤسسات لا الأفراد بذاتهم، حتى لا يحصل يتيم بعينه على الدعم دون الآخرين، فبرأيي أن هذا أقرب للعدل والفضيلة. 

ان تقديم الأموال لليتيم ولو بشكل منتظم، لا يختلف عند تجريده من المسميات عن أي أموال ندفعها تحت إسم الصدقة أو التبرع، فهي أموال تخرج طوعاً لأهداف اجتماعية بحتة، ولهذا لا يجب تمييزها عن أي نوع من التبرعات وجعلها عقداً خاصاً. إنه نوع من المال المدفوع بشكل دوري وبمقدار محدد لمدة محددة كما قلنا سابقاً. 

هل الرعاية المادية لليتيم تقوم محل الرعاية النفسية؟ الجواب لمن يقرأ لا. فما هو الحل المقدم من جهتي: دمج نظامي التبني مع كفالة اليتيم، حيث تقوم مجموعة من الأسر الراغبة بالحصول على أطفال لسبب أو لآخر، بالتبني، بينما يقوم كافل اليتيم بدوره الاجتماعي بدعم تلك الأسرة ماديا في المساهمة بنفقة اليتيم، وبهذه الطريقة نحن لم نوفر فقط لليتيم مالاً، بل حتى بيتاً وأسرة. 

وربما يعترض معترض أن ليس الجميع قادر على التبني، فالجواب بسيط: ليس المطلوب من الجميع التبني، لكن المطلوب تحفيز ودعم من لديهم الرغبة فنساهم في خير المجتمع الكلي. دورنا كبشر يجب أن يكون في اتجاه تخفيف المعاناة، وأنا أرى أن نظام كفالة اليتيم لا يستطيع تخفيف المعاناة بشكل جيد، فالأموال يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى دوماً. نحن بحاجة لتأطير قانوني جديد. 

طبعاً سنصطدم بالفقه الإسلامي النابذ كليا للتبني، وجوابي لهذه المسألة: نحن لا نحتاج للدين كي يخبرنا ما هو إنساني أو غير إنساني. إن فكرة الشريعة التي تقول بأن هذا الشخص غريب ولا ينتمي للعائلة ولا يخضع لشروط البنوة، فكرة لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية المبنية على العصبية القبلية! وهذا يختلف كلياً عن الحق البيولوجي المحفوظ كليا في القرآن والإسلام وتوضيح حقيقة الاختلاف والتبني. فالطفل المُتبنى من حقه أن يعرف الحقيقة وأن يفهمها، وحسب قرائتي فالأطفال يعرفون هذا الأمر من سن صغيرة جداً (المصدر: https://dkhlak.com/adoption/). ولا أظن أن الإسلام يدعو لإخفاء الحقيقة. 

طبعاً الآيات تنقل قضية اخرى وهي قضية زواج النبي من طليقة ابنه بالتبني. ثم أن الخوف من الاطلاع يمكن حله ببساطة بالرضاعة والإشباع في سن الطفل وهو صغير، فتنقطع قضية الاطلاع على المحارم ويصبح الطفل من ابناء البيت! فقط تذكروا مسألة إرضاع الكبير (ليست للسخرية، ولكنها حل لمن يؤمن بالنصوص). أما المواريث، فمعلوم أساساً أن للفرد حق التحكم بثلث تركته، وهكذا يمكن اعطاء ثلث التركة (الوصية) إلى من رباه في كنفه، وبالتالي لا إشكال ولا تفريط! الحلول الشرعية ممكنة فقط إن أعملنا عقلنا ووضعنا قاعدة: الإنسان أولاً.


لا يوجد طريق مغلق للتبني أبداً، فقط العقول المغلقة من ترفضه. التبني هو الأساس لتقديم بيت ورعاية نفسية ومادية للطفل. 

ودمتم بود

للاستزادة: 
1- http://www.sistani.org/arabic/qa/0494/
2- http://www.binbaz.org.sa/noor/2903