الجمعة، 21 يوليو 2017

الدين كصندوق أسود

بسم الله الرحمن الرحيم


إن اختلاف المذاهب الإسلامية لمعضلة فكرية على من يحاول دراسة الإسلام بشكل محايد ومنصف من خارجه.
واليوم أحاول تقديم مقاربة استخدمها شخصياً في دراسة المذاهب وتحليل الخلافات وهي مقاربة الصندوق الأسود
قراءة ممتعة


إن كلمة "الصندوق الأسود" ترتبط لدينا بحوادث الطائرات دوماً، وبالطبع فأنا لا أتكلم هنا عن حادثة طائرة من أي نوع كان. فالصندوق الأسود هو باختصار أي نظام يحتوي على مجموعة من العمليات في داخله، ولكننا نجهل تلك العمليات (أو لسنا مهتمين بما يحدث بداخل النظام حالياً). 

تعود طريقة الصندوق الأسود إلى أحد طرق تحليل نظم الطاقة والاقتصاد حيث يتم الاهتمام بمدخلات النظام ومخرجاته دون تحليل ما يحدث في داخل النظام، وبهذه الطريقة فإننا نقوم بتشغيل النظام والنظر للنتائج لتكوين فهم معين حوله. وبهذا فإن النظام يخضع للاختبار وتقييم المخرجات، وبالتالي فإن ظهرت مشكلة، يتم عندئذٍ النظر للآليات داخل النظام، والتي يمكن تقسيمها أيضاً إلى صناديق سوداء أخرى. 

بعد هذه المقدمة المقتضبة، دعونا ندخل إلى عالم المذاهب الإسلامية كمراقبين خارجيين. وقبل أن نبدأ، دعوني أشرح لكم كلمة مراقب خارجي، فهي تعني أن شخصاً ما يجلس خارج المنظومة الإسلامية ويحاول فهمها، ولهذا فهذا الشخص إن أراد البحث والدراسة سينظر لجميع الفرق المنتشرة حالياً بنفس العين الفاحصة. 

الدخول للمذاهب

من المعلوم سلفاً أن المذاهب الإسلامية الحالية تنقسم بشكل واضح إلى شقين مسيطرين: سنّة وشيعة. ولأخواني الشيعة أقول الآتي:

لقد قلتم التالي:

( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
المصدر: هنا

ولهذا يا اعزائي، إن بطل المذهب الذي تثبتون منه أنفسكم، سقطتم معه ولا داعي حتى للنظر (وللعلم، إن نظرنا لكم سنجد من المصائب والمخالفات ما هو أشد، فكونوا متواضعين). 

وبهذا فأنا سأقصر نظري على المذهب السني كون الشيعة يرون ان اثبات صحة معتقدهم متأتية من خلال المذهب السني، وعلى الله التوكل. 

إن مدخلات المذاهب السنية الفقهية والاعتقادية على اختلافها شبه موحدة: القرآن الكريم والسنة النبوية (الصحاح الستة على أقل تقدير). لكن ماذا عن المخرجات؟ هل تعلمون ما هي مخرجات الصندوق الأسود السني؟ 
فقهيا: حنفي شافعي مالكي حنبلي. واعتقادياً: سلفية وأشاعرة وماتريدية ومعتزلة وصوفية. وبالتالي فالنظام الديني الإسلامي بالرغم من كونه يحتوي على مدخلات محددة بشكل واضح ومعلومة سلفاً، إلا إن النواتج غير قابلة للتوقع، والمصيبة أن كل مخرج يتلائم مع المدخل بشكل جيد (اتساق مع الفرضيات الأولية). وبهذا فإن التفضيل والمقارنة غير ممكنة بين المذاهب مما ينتج لدينا أن الحكم معلق بخصوصهم ولا يمكن جعل مذهب أفضل من الآخر فكرياً. 

أخواني الشيعة: وهكذا سقط تفضيل السنة عندي فلا يمكنني أن أفضلكم لكني ومن باب الإنصاف سأطبق عليكم نظرية الصندوق الأسود. أنتم أيضاً لديكم مدخلات محددة جداً متمثلة بـالقرآن وبحار الأنوار والكافي (وأي كتب أخرى أجهلها). ولكن مخرجاتكم ما هي؟ لنرى: مرجعية السيستاني، مرجعية خامنئي، مرجعية الحيدري، مرجعية اليعقوبي، ومرجعية فضل الله. نواتجكم تختلف  في أمور مثل تحديد هلال رمضان وحرمة بعض الأمور. ولا ننسى انقسام الشيعة ايضاً إلى زيدية وامامية واسماعيلية (والتي يمكن تبريرها لا بالصحة بل بالربط بالأسباب التاريخية والسياسية والجغرافية). 

وعند تفكيك الصندوق الأسود ستخرج لنا مشاكل الأحاديث والأسانيد وجمع القرآن وتخرج مشاكل الفهم الديني والهرمنيوطيقا وبالتالي فلا يمكن أبداً بناء يقين علمي اعتماداً على مخرجات المذاهب الإسلامية. 

الخلاصة

بما أن النواتج قد اختلفت مع المحافظة على نفس المدخلات، بالتالي فالنظام لديه مشكلة عويصة خصوصاً أن المراقب الخارجي يترقب نتيجة معينة بذاتها، لا عشر نتائج تدعي الصحة والحفاظ على الدين. والحل هو انتاج منظومة جديدة تستطيع فهم جميع المنظومات ذات النتائج المتناقضة وشرح اسباب تناقضها وبالتالي تخرج بطريق جديد يجمع ولا يفرق. 

ودمتم بود.